الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِ} (41)

وقرأ حماد بن أبي سليمان " بسِيْمائِهم " بالمدِّ . وتقدَّم الكلامُ على ذلك في آخر البقرة .

قوله : { فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي } " يُؤْخَذُ " متعدٍّ ، ومع ذلك تَعَدَّى بالباء ؛ لأنه ضُمِّنَ معنى يُسْحَبُ ، قاله الشيخ . وسحب إنما يُعَدَّى ب " على " قال تعالى : { يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ } [ القمر : 48 ] فكان يَنْبغي أَنْ يقولَ : ضُمِّنَ معنى يُدَعُّوْن ، أي : يُدْفَعون . وقال مكي : " إنما يُقال : أَخَذْتُ الناصِيةَ وأخَذْتُ بالناصية . ولو قلت : أَخَذْتُ الدابَّةَ بالناصيةِ لم يَجُزْ . وحُكي عن العرب : أَخَذْتُ الخِطامَ ، وأَخَذْتُ بالخِطام بمعنى . وقد قيل : إنَّ تقديرَه : فيُؤْخَذُ كلُّ واحدٍ بالنَّواصي ، وليس بصوابٍ ، لأنه لا يَتَعَدَّى إلى مفعولَيْنِ أحدُهما بالباء ، لِما ذكَرْنا . وقد يجوز أَنْ يتعدَّى إلى مفعولَيْنِ أحدُهما بحرفِ جرّ غيرِ الباء نحو : أَخَذْتُ ثوباً من زيد .

فهذا المعنى غيرُ الأولِ ، فلا يَحْسُن مع الباء مفعولٌ آخرُ ، إلاَّ أَنْ تجعلَها بمعنى : مِنْ أَجْل ، فيجوزُ أن تقولَ : أَخَذْتُ زيداً بعمروٍ ، أي : مِنْ أجلِه وبذنبِه " انتهى . وفيما قاله نَظَرٌ ، لأنك تقولُ : أَخَذْتُ الثوبَ بدرهمٍ ، فقد تعدَّى بغير " مِنْ " أيضاً بغير المعنى الذي ذكره .

وأل في النواصي والأقدام ليسَتْ عِوَضاً مِنْ ضمير عند البَصْريين فالتقدير : بالنواصي منهم ، وهي عند الكوفيين عِوَضٌ . والنَّاصِيَةُ : مُقَدَّمُ الرأسِ . وقد تقدَّم هذا مستوفى في هود . وفي حديث عائشة رضي الله عنها : " ما لكم لا تَنْصُون مَيِّتكم " ، أي : لا تَمُدُّون ناصِيته . والنَّصِيُّ مَرْعى طيب . وقولهم : " فلانٌ ناصيةُ القوم " يُحتمل أن يكونَ من هذا ، يَعْنون أنه طيب مُنْتَفَعٌ به ، أو مثلَ قولِهم : هو رأسُ القوم .