قوله تعالى : { يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ } .
قرأ حماد بن{[54509]} أبي سليمان : «بِسِيمائِهِمْ » بالمد .
قوله تعالى : { فَيُؤْخَذُ بالنّواصي } الآية .
«يُؤخذ » متعدّ ، ومع ذلك تعدى بالباء ؛ لأنه ضمن معنى «يسحب » . قاله أبو حيان{[54510]} .
و«يسحب » إنما يتعدى ب «على » ، قال تعالى : { يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ } [ القمر : 48 ] فكان ينبغي أن يقول : ضمن معنى يتعدى «يدعون أو يدفعون » .
وقال مكّي : «إنما يقال : أخذت الناصية ، وأخذت بالناصية ، ولو قلت : أخذت الدَّابة بالناصية ، لم يجز .
وحكي عن العرب : أخذت الخِطَام ، وأخذت بالخِطَام . بمعنى .
وقد قيل : إن تقديره : فيؤخذ كل واحد بالنَّواصي ، وليس بصواب ؛ لأنه لا يتعدى إلى مفعولين أحدهما : بالباء ، لما ذكرنا ، وقد يجوز أن يتعدى إلى مفعولين : أحدهما بحرف جر غير الباء ، نحو : أخذت ثوباً من زيد ، فهذا المعنى غير الأول ، فلا يحسن مع الباء مفعول آخر إلاَّ أن تجعلها بمعنى «من أجل » ، فيجوز أن تقول : «أخذت زيداً ثوباً بعمرو » أي : من أجله وبذنبه » . انتهى .
وفيما قاله نظر ، لأنك تقول : «أخذت الثوب بدرهم » فقد تعدّى بغير «من » أيضاً بغير المعنى الذي ذكره .
وقال ابن الخطيب{[54511]} : فإن قيل : كيف عدي الأخذ بالباء وهو متعد بنفسه قال تعالى : { لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ } [ الحديد : 15 ] وقال : { خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ } [ طه : 21 ] ؟ .
فالجواب أن الأخذ تعدى بنفسه كما تقدم ، وبالباء كقوله تعالى : { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } [ طه : 94 ] لكن التدقيق فيه أن المأخوذ إن كان مقصوداً فكأنه ليس هو المأخوذ ، فكأن الفعل لم يتعد إليه بنفسه ، فيذكر الخوف ويدل على هذا استعمال القرآن ، فقال تعالى : { خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ } [ طه : 21 ] ، وقال تعالى { وليأخذوا أَسْلِحَتَهُمْ } [ النساء : 102 ] وأخذ الألواح إلى غير ذلك مما هو المقصود بالأخذ غيره ، وأسند الأخذ إلى النواصي دون ضمير المجرمين إشارة إلى استيلاء الآخذين على المأخوذين وكثرتهم وكيفية الأخذ .
و«أل » في «النَّواصي والأقْدَام » ليست عوضاً من ضمير عند البصريين ، فالتقدير : بالنواصي منهم ، وهي عند الكوفيين عوض .
والنَّاصية : مقدم الرأس ، وقد تقدم هذا مستوفى في «هود »{[54512]} وفي حديث عائشة رضي الله عنها : «مَا لَكُم لا تَنُصُّونَ مَيَّتَكُمْ » أي : لا تمدُّون ناصيته .
و«النَّصيّ » : مرعى طيب ، فقولهم : فلان ناصية القوم ، يحتمل أن يكون من هذا ، يعنون أنه طيب منتفع ، أو مثل قولهم : هو رأسُ القَوْمِ انتهى .
قال الحسن : { يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ } أي بسواد الأوجه ، وزرقة الأعين{[54513]} {[54514]} قال تعالى : { وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمَئِذٍ زُرْقاً } [ طه : 102 ] .
وقال تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [ آل عمران : 106 ] .
فقوله : { فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام } أي : يأخذ الملائكة بنواصيهم ، أي : بشعور مقدم رءوسهم وأقدامهم فيقذفونهم في النار .
وقال الضحاك : يجمع بين ناصيته وقدمه في سلسلة من وراء ظهره حتى يندقَّ ظهره ، ثم يلقى في النّار .
وقيل : يفعل به ذلك ليكون أشد لعذابه ، وأكثر لتشويهه .
وقيل : تسحبهم الملائكة إلى النَّار ، تارةً تأخذ بناصيته ، وتجرّه على وجهه ، وتارةً تأخذ بقدميه وتسحبه على وجهه .
فإن قيل : ما وجه إفراد «يُؤخَذ » مع أن المجرمين جمع ، وهم المأخوذون ؟ .
فالجواب من وجهين{[54515]} : الأول : أن قوله : «يُؤخَذُ » متعلق «بالنواصي » ، كقولك : ذهب يزيد .
والثاني : أن يتعلق بما يدلّ عليه «يؤخذ » ، فكأنه قال : يؤخذ المأخوذون بالنواصي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.