{ وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك } دون الصالحين ، { كنا طرائق قددا } أي : جماعات متفرقين وأصنافاً مختلفة ، والقدة : القطعة من الشيء ، يقال : صار القوم قدداً إذا اختلفت حالاتهم ، وأصلها من القد وهو القطع . قال مجاهد : يعنون : مسلمين وكافرين . وقيل : ذوو أهواء مختلفة ، وقال الحسن والسدي : الجن أمثالكم فمنهم قدرية ومرجئة ورافضة . وقال ابن كيسان : شيعاً وفرقاً لكل فرقة هوى كأهواء الناس . وقال سعيد بن جبير : ألواناً شتى ، وقال أبو عبيدة : أصنافاً .
بعد ذلك أخذ الجن يصفون حالهم وموقفهم من هدى الله ؛ بما نفهم منه أن لهم طبيعة مزدوجة كطبيعة الإنسان في الاستعداد للهدى والضلال . ويحدثنا هذا النفر عن عقيدتهم في ربهم وقد آمنوا به . وعن ظنهم بعاقبة من يهتدي ومن يضل :
( وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ، كنا طرائق قددا . وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا . وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به ، فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا . وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون : فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا . وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) . .
وهذا التقرير من الجن بأن منهم صالحين وغير صالحين ، مسلمين وقاسطين ، يفيد ازدواج طبيعة الجن ، واستعدادهم للخير والشر كالإنسان - إلا من تمحض للشر منهم وهو إبليس وقبيله - وهو تقرير ذو أهمية بالغة في تصحيح تصورنا العام عن هذا الخلق . فأغلبنا حتى الدارسين الفاقهين - على اعتقاد أن الجن يمثلون الشر ، وقد خلصت طبيعتهم له . وأن الإنسان وحده بين الخلائق هو ذو الطبيعة المزدوجة . وهذا ناشئ عن مقررات سابقة في تصوراتنا عن حقائق هذا الوجود كما أسلفنا . وقد آن أن نراجعها على مقررات القرآن الصحيحة !
وهذا النفر من الجن يقول : ( وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ) . . ويصف حالهم بصفة عامة : ( كنا طرائق قددا ) . . أي لكل منا طريقته المنفصلة المقدودة المنقطعه عن طريقة الفريق الآخر .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَنّا مِنّا الصّالِحُونَ وَمِنّا دُونَ ذَلِكَ كُنّا طَرَآئِقَ قِدَداً * وَأَنّا ظَنَنّآ أَن لّن نّعْجِزَ اللّهَ فِي الأرْضِ وَلَن نّعْجِزَهُ هَرَباً * وَأَنّا لَمّا سَمِعْنَا الْهُدَىَ آمَنّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيلهم : وأنّا مِنّا الصّالِحُونَ وهم المسلمون العاملون بطاعة الله وَمنّا دُونَ ذلكَ يقول : ومنا دون الصالحين كُنّا طَرائقَ قدَدا يقول : وأنا كنا أهواء مختلفة ، وفِرَقا شتى ، منا المؤمن والكافر . والطرائق : جمع طريقة ، وهي طريقة الرجل ومذهبه . والقِدد : جمع قدّة ، وهي الضروب والأجناس المختلفة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن حميد الرازي ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، في قوله : طَرَائقَ قِدَدا يقول : أهواء مختلفة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وأنّا مِنّا الصّالِحُونَ وَمِنّا دُونَ ذَلكَ كُنّا طَرَائِقَ قِدَدا يقول : أهواء شتى ، منا المسلم ، ومنا المشرك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : كُنّا طَرَائِقَ قِدَدا كان القوم على أهواء شتّى .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة طَرَائِقَ قِدَدا قال : أهواء .
حدثني ابن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : كُنّا طَرَائِقَ قِدَدا قال : مسلمين وكافرين .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان كُنّا طَرَائِقَ قِدَدا قال : شتّى ، مؤمن وكافر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كُنّا طَرَائِقَ قِدَدا قال : صالح وكافر وقرأ قول الله : وأنّا مِنّا الصّالِحُونَ وَمِنّا دُونَ ذَلكَ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.