السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَۖ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَدٗا} (11)

قال الجنّ { وأنا منا الصالحون } أي : العريقون في صفة الصلاح ، قال الجلال المحلي بعد استماع القرآن { ومنا دون ذلك } أي : قوم غير صالحين { كنا } أي : كوناً هو كالجبلة { طرائق قدداً } أي : جماعات متفرّقين وأصنافاً مختلفة ، قال سعيد بن المسيب : معنى الآية كنا مسلمين ويهوداً ونصارى ومجوساً ، وقال الحسن والسدّي : الجنّ أمثالكم فمنهم قدرية ومرجئة ورافضة وخوارج وشيعة وسنية . وقال ابن كيسان : شيعاً وفرقاً لكل فرقة هوى كأهواء الناس . وقال سعيد بن جبير : ألواناً شتى . وقال أبو عبيدة : أصنافاً وقيل : منا الصالحون ومنا المؤمنون ، لم يتناهوا في الصلاح .

قال القرطبي : والأوّل أحسن لأنه كان في الجنّ من آمن بموسى وعيسى ، وقد أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا : { إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه } [ الأحقاف : 30 ] وهذا يدل على إيمان قوم منهم بالتوراة .

تنبيه : القدد جمع قدة والمراد بها الطريقة وأصلها السيرة ، يقال : قدة فلان حسنة ، أي : سيرته وهو من قدّ السير ، أي : قطعه ، فاستعير للسيرة المعتدلة . قال الشاعر :

القابض الباسط الهادي بطلعته *** في فتنة الناس إذ أهواؤهم قدد

وقال لبيد يرثي أخاه :

لم تبلغ العين كل نهمتها *** يوم تمشي الجياد بالقدد

والقد بالكسر سير يقد من جلد غير مدبوغ ، ويقال : ما له قد ولا قحف ، فالقد إناء من جلد والقحف إناء من خشب .