قوله : { وَأَنَّا مِنَّا الصالحون وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } .
هذا من قول الجنِّ ، أي : قال بعضهم لبعض لما دعوا أصحابهم إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم : وإنا كنا قبل استماع القرآن منا الصالحون .
قوله : { وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } ، يحتمل وجهين :
أحدهما : يحتمل أن «دُونَ » بمعنى «غير » ، أي : ومنا غير الصالحين ، أي : كافرون ، وهو مبتدأ ، وإنما فتح لإضافته إلى غير متمكن كقوله : { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ }[ الأنعام : 94 ] فيمن نصب على أحد الأقوال ، وإلى هذا نحا الأخفش .
والثاني : أن «دُونَ » على بابها من الظرف ، وأنها صفة لمحذوف ، تقديره : ومنا فريق أو فوج دون ذلك ، وحذف الموصوف مع «مِنْ » التبعيضية يكثر ، كقولهم : منَّا ظعنَ ومنَّا أقام ، أي : منا فريقٌ ظعن ، ومنا فريق أقام .
ومعنى الآية : ومنا صالحون دون أولئك في الصلاح .
قوله : { كُنَّا طَرَائِقَ } ، فيه أوجه :
أحدها : أن التقدير : كنا ذوي طرائق ، أي : ذوي مذاهب مختلفة .
الثاني : أن التقدير : كنا في اختلاف أحوالنا مثل الطرائقِ المختلفةِ .
الثالث : أن التقدير : كنا ذوي طرائقَ مختلفةٍ ؛ كقوله : [ الكامل ]
4903 - . . . *** كَمَا عَسَلَ الطَّريقَ الثَّعلَبُ{[58141]}
الرابع : أن التقدير : كانت طريقتنا طرائق قدداً ، على حذف المضاف الذي هو الطرائقُ ، وإقامة الضمير المضاف إليه مقامه ، قاله الزمخشريُّ .
فقد جعل في ثلاثة أوجه مضافاً محذوفاً .
وقال : إنَّه قدر في الأول : «ذَوِي » .
ورد عليه أبو حيَّان{[58142]} قوله : { كُنَّا طَرَائِقَ } ؛ كقوله : [ الكامل ]
4904 - . . . *** كَمَا عَسَل الطَّريقَ الثَّعلبُ{[58143]}
بأن هذا لا يجوز إلا في ضرورة أو ندور ، فلا يخرج القرآنُ عليه ، يعني تعدى الفعل بنفسه إلى ظرف المكان المختص .
والقددُ : جمع قددة ، والمراد بها الطريقةُ ، وأصلها السيرة ، يقال : قِدَّة فلان حسنة ، أي : سيرته ، وهو من قدَّ السير ، أي : قطعه على استواء ، فاستعير للسيرة المعتدلة .
4905 - ألقَابِضُ البَاسِطُ الهَادِي بطَاعتِه***في فِتْنَةِ النَّاس إذْ أهْواؤهُم قِدَدُ{[58144]}
4906 - جَمعْتُ بالرَّأي منهُمْ كُلَّ رَافضَة***إذْ هُمْ طَرائقُ في أهوائِهمْ قِدَدُ{[58145]}
وقال لبيد في أخيه : [ المنسرح ]
4907 - لَمْ تَبْلُغِ العَيْنُ كُلَّ نَهْمتهَا***لَيْلةَ تُمْسِي الجِيادُ كالقِددِ{[58146]}
والقِدُّ - بالكسر - سير يُقَدّ من جلد غير مدبوغ ، ويقال : ما له قد ولا قحف ، فالقد : إناء من جلد ، والقحف : إناء من خشب .
قال سعيد بن المسيِّب : معنى الآية «كنا مسلمين ، ويهود ونصارى ومجوساً »{[58147]} .
وقال السدي : في الجن مثلكم قدرية ، ومرجئة وخوارج ، ورافضة ، وشيعة ، وسنية{[58148]} .
وقال قوم : إنا بعد استماع القرآنِ مختلفون منا المؤمنون ، ومنا الكافرون .
وقيل : أي : ومنا الصالحون ومنا المؤمنون لم يتناهوا في الصلاح .
قال القرطبيُّ{[58149]} رحمه الله : «والأول أحسن ، لأنه كان في الجن من آمن بموسى ، وعيسى ، وقد أخبر الله عنهم أنهم قالوا : { إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ }[ الأحقاف : 30 ] ، وهذا يدل على إيمان قوم منهم بالتوراة ، وكان هذا مبالغة منهم في دعاء من دعاهم إلى الإيمان ، وأيضاً لا فائدة في قولهم : نحن الآن منقسمون إلى مؤمن وإلى كافر ، والطرائق : جمع طريقة ، وهي مذهب الرجل ، أي : كنا فرقاً ، ويقال : القوم طرائق أي : على مذاهب شتَّى ، والقددُ : نحو من الطرائق وهو توكيد لها واحده : قدَّة ، يقال : لكل طريقةٍ قِدَّةٌ » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.