البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَۖ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَدٗا} (11)

القدد : السير المختلفة ، الواحدة قدة . قال الشاعر :

القابض الباسط الهادي بطاعته *** في قنية الناس إذ أهواؤهم قدد

وقال الكميت :

جمعت بالرأي منهم كل رافضة *** إذ هم طرائق في أهوائهم قدد

{ وأنا منا الصالحون } : أخبروا بما هم عليه من صلاح وغيره .

{ ومنا دون ذلك } : أي دون الصالحين ، ويقع دون في مواضع موقع غير ، فكأنه قال : ومنا غير صالحين .

ويجوز أن يريدوا : ومنا دون ذلك في الصلاح ، أي فيهم أبرار وفيهم من هو غير كامل في الصلاح ، ودون في موضع الصفة لمحذوف ، أي ومنا قوم دون ذلك .

ويجوز حذف هذا الموصوف في التفصيل بمن ، حتى في الجمل ، قالوا : منا ظعن ومنا أقام ، يريدون : منا فريق ظعن ومنا فريق أقام ، والجملة من قوله : { كنا طرائق قدداً } تفسير للقسمة المتقدمة .

قال ابن عباس وعكرمة وقتادة : أهواء مختلفة ، وقيل : فرقاً مختلفة .

وقال الزمخشري : أي كنا ذوي مذاهب مختلفة ، أو كنا في اختلاف أحوالنا مثل الطرائق المختلفة ، أو كنا في طرائق مختلفة كقوله :

كما عسل الطريق الثعلب . . .

أو كانت طرائقنا قدداً على حذف المضاف الذي هو الطرائق ، وإقامة الضمير المضاف إليه مقامه . انتهى .

وفي تقديريه الأولين حذف المضاف من طرائق وإقامة المضاف إليه مقامه ، إذ حذف ذوي ومثل .

وأما التقدير الثالث ، وهو أن ينتصب على إسقاط في ، فلا يجوز ذلك إلا في الضرورة ، وقد نص سيبويه على أن عسل الطريق شاذ ، فلا يخرج القرآن عليه .