تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَۖ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَدٗا} (11)

الآية11 : وقوله تعالى : { وأنا منا الصالحون ومنا ما دون ذلك } قال بعضهم : { الصالحون } هم المؤمنون ، و{ دون ذلك } هم الكافرون . ويشبه أن يكون{ الصالحون } و { دون ذلك } ليس على الإيمان والكفر ، لأن هذا قد ذكر في ما تقدم من الآيات بقوله : { وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون }[ الآية : 14 ] ولو كان التأويل على ما ذكروا لكان يقع موقع التكرار .

ولكن تأويله عندنا : { وأنا منا الصالحون } أي منا من عرف بالصلاح والستر{ ومنا دون ذلك } وهم الفسقة ، فيكون فيه إبانة أن كل أهل دين ، فيهم الصالح المرضي ، وفيهم الفاسق المفسد في دينه ، كقول{[22291]} الله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم }[ النور : 32 ] ولو لم يكن منا غير صالح لم يكن لاشتراط الصالحين معنى ، وكقوله عز وجل : { وأشهدوا ذوي عدل منكم }[ الطلاق : 2 ] فلو لم يكن منا أهل فسق لم يقل هذا .

وقوله تعالى : { كنا طرائق قددا } أي أهواء متفرقة ، ولم يذكروا الأهواء{[22292]} المتفرقة في الأصلح والأدون ، ذكروا ذلك عند ذكر الفاسق والصالح ، لأن أهل الأهواء ، كل[ يعتقد ]{[22293]} في نفسه أنه ، هو المحق ، وغيره على الباطل ، وأما الفاسق فهو يعرف أنه يتعاطى بفسقه ما لا يحل له ، ويرتكب ما نهي عنه ، وكذلك كل من شاهد فسقه يعرف أنه على الباطل . فإذا{[22294]} كان كذلك ظهر الدون فيه ، وظهر الصالح ، ولم يظهر ذلك في اعتقاد المذاهب ، فلم يتكلم فيه بالدون والصالح .

ثم الطرائق ، هي المذاهب والأهواء ، والقدد القطع ؛ يقال : قده{[22295]} أي قطعه ؛ فمعناه أنا كنا على مذاهب متفرقة وأهواء متسننة .

ففي{[22296]} الآية أن في الجن أهواء متفرقة كما أن ذلك في الإنس .

والأصل أن معرفة المذهب والدين بالفكر والاجتهاد للتوصل إلى الحق ، والمجتهد قد يصيب الطريق مرة ، ويزيغ عنه أخرى . فلهذا{[22297]} أصاب البعض من الخلائق الطريق المستقيم ، ومنهم من زاغ عنه ، ويعلم بهذا أن سبيل الجن في التوحيد وسبيل الإنس واحد ، وهو الفكر ، وله اجتهاد ، وأن فيهم آيات متشابهة كما في الإنس إذ عن المتشابه يتولد الزيغ . لذلك تفرقوا في أهواء متفرقة مختلفة .

وأما أسباب الفسق مجتمعة فتعرف بالمعاينة ، فتظهر الأدون والأرفع في الدين .


[22291]:في الأصل و م: قال.
[22292]:أدرج قبلها في الأصل و م: في.
[22293]:ساقطة من الأصل و م.
[22294]:الفاء ساقطة من الأصل و م.
[22295]:الهاء ساقطة من الأصل و م.
[22296]:في الأصل و م: في.
[22297]:أدرج بعدها في الأصل و م: ما.