قوله تعالى : { الذين جعلوا القرآن عضين } ، جزؤوه فجعلوه أعضاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه . وقال مجاهد : هم اليهود والنصارى قسموا كتابهم ففرقوه وبدلوه . وقيل :{ المقتسمين } قوم اقتسموا القرآن . فقال بعضهم : سحر . وقال بعضهم : شعر . وقال بعضهم : كذب ، وقال بعضهم : أساطير الأولين . وقيل : الاقتسام هو أنهم فرقوا القول في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ساحر كاهن شاعر . وقال مقاتل : كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم ، فاقتسموا عقاب مكة وطرقها ، وقعدوا على أنقابها يقولون لم جاء من الحجاج : لا تغتروا بهذا الرجل الخارج الذي يدعي النبوة منا . وتقول طائفة منهم : إنه مجنون ، وطائفة : إنه كاهن ، وطائفة : إنه شاعر ، والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكما فإذا سئل عنه قال : صدق أولئك يعني المقتسمين . وقوله : { عضين } قيل : هو جمع عضو مأخوذ من قولهم عضيت الشيء تعضية ، إذا فرقته . ومعناه : أنهم جعلوا القرآن أعضاء ، فقال بعضهم : سحر . وقال بعضهم : كهانة . وقال بعضهم : أساطير الأولين . وقيل : هو جمع عضة . يقال : عضة وعضين مثل برة وبرين وعزة وعزين ، وأصلها : عضهة ذهبت هاؤها الأصلية ، كما نقصوا من الشفة وأصلها شفهة ، بدليل : أنك تقول في التصغير شفيهة ، والمراد بالعضة الكذب والبهتان . وقيل : المراد بالعضين العضه ، وهو السحر ، يريد : أنهم سموا القرآن سحراً .
وقوله : { الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } أي : جَزَّؤوا كتبهم المنزلة عليهم ، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض .
قال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أنبأنا أبو بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس : { جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } قال : هم أهل الكتاب ، جَزَّؤوه أجزاء ، فآمنوا ببعضه ، وكفروا ببعضه{[16262]} {[16263]}
وقال الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } قال : السحر{[16264]} وقال عكرمة : العَضْه : السحر بلسان قريش ، تقول{[16265]} للساحرة : إنها العاضهة{[16266]}
وقال مجاهد : عَضوه أعضاء ، قالوا : سحر ، وقالوا : كهانة ، وقالوا : أساطير الأولين .
وقال عطاء : قال بعضهم : ساحر ، وقال بعضهم : مجنون . وقال بعضهم كاهن . فذلك
العضين{[16267]} وكذا روي عن الضحاك وغيره .
وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أو عكرمة ، عن ابن عباس : أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش ، وكان ذا شرف{[16268]} فيهم ، وقد حضر الموسم فقال لهم : يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم ، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قولكم بعضه بعضًا . فقالوا : وأنت يا أبا عبد شمس ، فقل{[16269]} وأقم لنا رأيا نقول به . قال : بل أنتم قولوا{[16270]} لأسمع . قالوا : نقول{[16271]} كاهن " . قال : ما هو بكاهن . قالوا : فنقول : " مجنون " . قال : ما هو بمجنون ! قالوا{[16272]} فنقول : " شاعر " . قال : ما هو بشاعر ! قالوا : فنقول : " ساحر " . قال : ما هو بساحر ! قالوا : فماذا نقول ؟ قال : والله إن لقوله حلاوة ، فما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عُرف أنه باطل ، وإن أقرب القول أن تقولوا : هو ساحر . فتفرقوا عنه بذلك ، وأنزل الله فيهم : { الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } أصنافا{[16273]}
والمقتسمون هم الذين جعلوا القرآن عضين حيث قالوا عنادا : بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما ، أو قسموه إلى شعر وسحر وكهانة وأساطير الأولين ، أو أهل الكتاب آمنوا ببعض كتبهم وكفروا ببعض على أن القرآن ما يقرؤون من كتبهم ، فيكون ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله { لا تمدن عينيك } الخ اعتراضا ممدا لها .
{ الذين جعلوا القرآن عضين } أجزاء جمع عضة ، وأصلها عضوة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء . وقيل فعلة من عضهته إذا بهته ، وفي الحديث " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم العاضهة والمستعضهة " وقيل أسحارا وعن عكرمة العضة السحر ، وإنما جمع السلامة جبرا لما حذف منه والموصول بصلته صفة للمقتسمين أو مبتدأ خبره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.