غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ} (91)

51

{ الذين جعلوا القرآن عضين } أي أجزاء جمع عضة وأصلها عضوة " فعلة " من عضى الشاة إذا جعلها أجزاء وأعضاء ، أو " فعلة " من عضهته إذا بهته فالمحذوف منها الهاء لا الواو . وعن عكرمة : العضه السحر بلسان قريش يقولون للساحرة عاضهة . ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم العاضهة والمستعضهة فينقصانها الهاء أيضاً . وجمعت العضة بالمعاني جمع العقلاء لما لحقها من الحذف ، فجعلوا الجمع بالواو والنون عوضاً عما لحقها من الحذف كسنين . فمعنى الآية أن اليهود اقتسموا القرآن إلى حق وباطل وجزؤه فقالوا بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل ، وبعضه باطل مخالف لهما . ويجوز أن يراد بالقرآن ما يقرأونه من كتبهم وقد اقتسموه بتحريفهم وتكذيبهم ، والإقرار بالبعض والتكذيب بالبعض كقوله :

{ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } [ البقرة : 85 ] وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيب قومه وعداوتهم ، ولهذا وسط بين المتعلق بقوله : { لا تمدن } الآية لأنه مدد للتسلية لما فيه من النهي عن الالتفات إلى دنياهم والتأسف على كفرهم ومن الإقبال بالكلية على المؤمنين . الوجه الثاني أن يتعلق بقوله : { النذير المبين } وعلى هذا لا يكون بد من التزام إضمار أو زيادة ، أما الإضمار فأن يكون التقدير : أنا النذير عذاباً كما أنزلنا كقولك رأيت كالقمر في الحسن أي وجهاً كالقمر ، وأما الزيادة فأن تكون الكاف زائدة كقوله : { ليس كمثله شيء } [ الشورى : 11 ] ويمكن أن يقال : الكاف بمعنى مثل ولا حاجة إلى الالتزام والتقدير : أنذر قريشاً مثل ما أنزلنا على المقتسمين وهم إما اليهود ويراد بالعذاب ما جرى على قريظة والنضير فيكون قد جعل المتوقع بمنزلة الواقع وهو من الإعجاز لأنه إخبار بما سيكون وقد كان ، وإما غيرهم من أهل مكة أو من قوم صالح . قال ابن عباس : هم الذين اقتسموا طرق مكة ومداخلها أيام الموسم فقعدوا في كل مدخل متفرقين لينفروا الناس عن الإيمان بالله ورسوله . يقول بعضهم : لا تغتروا بالخارج منا فإنه ساحر ، ويقول الآخر كذاب ، والآخر شاعر ، فأهلكهم الله يوم بدر وقبله بآفات وكانوا قريباً من أربعين ، منهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب . وقال عكرمة : اقتسموا القرآن استهزاء وكان يقول بعضهم سورة البقرة لي ويقول الآخر سورة آل عمران لي وقال مقاتل : اقتسموه . قال بعضهم سحر ، وبعضهم شعر ، وبعضهم كذب ، وبعضهم أساطير الأولين . وقال ابن زيد : المقتسمون هم الذين تقاسموا بالله ليبيتن صالحاً كما سيجيء في سورة النمل ، فرمتهم الملائكة بالحجارة وقتلوهم ، وعلى هذا يكون قوله : { الذين جعلوا } منصوباً بالنذير أي أنذر المعضين الذين يجزؤون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير مثل ما أنزلنا على المقتسمين .

/خ99