المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ} (91)

وقوله { عضين } مفعول ثان وجعل بمعنى صير ، أي بألسنتهم ودعواهم ، وأظهر ما فيه أنه جمع عضة ، وهي الفرقة من الشيء والجماعة من الناس كثبة وثبين وعزة وعزين ، وأصلها عضهة وثبوة فالياء والنون عوض من المحذوف ، كما قالوا سنة وسنون ، إذ أصلها سنهة{[7224]} ، وقال ابن عباس وغيره : { عضين } مأخوذ من الأعضاء أي عضوة فجعلوه أعضاء مقسماً ، ومن ذلك قول الراجز :

وليس دين الله بالمعضى{[7225]} . . . وهذا هو اختيار أبي عبيدة ، وقال قتادة { عضين } مأخوذ من العضة وهو السب المفحش ، فقريش عضهوا كتاب الله بقولهم : هو شعر ، هو سحر ، هو كهانة ، وهذا هو اختيار الكسائي ، وقالت فرقة : { عضين } جمع عضة وهي اسم للسحر خاصة بلغة قريش ، ومنه قول الراجز :

للماء من عضتهن زمزمة{[7226]} . . . . وقال هذا قول عكرمة مولى ابن عباس ، وقال العضة السحر ، وهم يقولون للساحرة العاضهة ، وفي الحديث «لعن الله العاضهة والمستعضهة »{[7227]} ، وهذا هو اختيار الفراء .

قال القاضي أبو محمد : ومن قال جعلوه أعضاء فإنما أراد قسموه كما تقسم الجزور أعضاء .


[7224]:استقلوا الجمع بين هاءين فقالوا: عضة، كما قالوا: شفة، والأصل شفهة، وسنة، والأصل سنهة، ومن علماء العربية من قال: عضين واحدتها عضة، ولكن أصلها عضوة من: عضيت الشيء إذا فرقته، جعلوا النقصان هو الواو. اتفقوا على أن الأصل (عضة) ولكن اختلفوا في المحذوف، أهو واو أو هاء؟
[7225]:الراجز هو رؤبة بن العجاج، والبيت من قصيدة له يمدح بها تميم ونفسه. يقول: "إن دين الله ليس أقساما ولا أجزاء"، وفي مطلع القصيدة يقول: داينت أروى والديون تقضى فمطلت بعضا وأدت بعضا
[7226]:جاء في (اللسان عضه):العضه: السحر والكهانة، واالعاضه: الساحر،الفعل كالفعل والمصدر كالمصدر،قال: أعوذ بربي من النافثا *** ت في عضه العاضه المعضه وسمي السحر عضها لأنه كذب وتخييل لا حقيقة له. وعلى هذا نفهم كلام هذه الفرقة، والرجز الذي ساقه ابن عطية يشهد بأن العضة اسم للسحر، والزمزمة: صوت خفي لا يكاد يفهم، وزمزمة الماء: كثرته، يقول: إن للماء من سحرهن كثرة، أو صوت خفي لا يكاد يفهم. ولم نقف على قائل الرجز. قال ابن الأثير في النهاية: "هي الساحرة والمستسحرة، سمي السحر عضها لأنه كذب وتخييل لا حقيقة له".
[7227]:?????