الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ} (91)

وأخرج ابن جرير من طريق علي ، عن ابن عباس { عضين } فرقا .

وأخرج الطبراني في الأوسط ، عن ابن عباس قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أرأيت قول الله { كما أنزلنا على المقتسمين } قال : اليهود والنصارى . قال { الذين جعلوا القرآن عضين } قال : آمنوا ببعض وكفروا ببعض » .

وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم والبيهقي وأبو نعيم معاً في الدلائل ، عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش - وكان ذا سن فيهم - وقد حضر الموسم فقال لهم : يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم ، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فاجمعوا فيه رأياً واحداً ، ولا تختلفوا فيُكَذِّب بعضكم بعضاً . فقالوا : أنت فقل ، وأتم لنا به رأياً نقول به . قال : لا ، بل أنتم قولوا لأسمع . قالوا : نقول كاهن . قال : ما هو بكاهن . . . لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكهان ولا بسجعهم . قالوا : فنقول مجنون . قال : ما هو بمجنون . . . لقد رأينا الجنون وعرفناه ، فما هو بخنقه ولا بحائحه ولا وسوسته . قالوا : فنقول شاعر . قال : ما هو بشاعر . . . . لقد عرفنا الشعر كله ، رَجَزه وهَزَجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه ، فما هو بالشعر . قالوا : فنقول ساحر . قال : ما هو بساحر لقد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثه ولا بعقده . قالوا : فماذا نقول ؟ قال : والله إن لقوله حلاوة ؛ وإن عليه طلاوة وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناء ، فما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول أن تقولوا هو ساحر ، يفرق بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجه ، وبين المرء وعشيرته . .

فتفرقوا عنه بذلك . فأنزل الله في الوليد وذلك من قوله { ذرني ومن خلقت وحيداً . . . } [ المدثر : 11 ] إلى قوله { سأصليه سقر . . . } [ المدثر : 26 ] وأنزل الله في أولئك النفر الذين كانوا معه { الذين جعلوا القرآن عضين } أي أصنافاً { فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون } .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله { الذين جعلوا القرآن عضين } قال : هم رهط من قريش ، عضهوا كتاب الله ، فزعم بعضهم أنه سحر وزعم بعضهم أنه كهانة وزعم بعضهم أنه أساطير الأوّلين .

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن جرير ، عن عكرمة يقول : العضه ، السحر بلسان قريش . يقولون للساحرة : إنها العاضهة .