الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ} (91)

قوله تعالى : { الَّذِينَ جَعَلُواْ } : فيه أوجهٌ : أظهرُها : أنه نعتٌ للمقتسِمين . الثاني : أنه بدلٌ منه . الثالث : أنه بيانٌ له . الرابع : أنه منصوبٌ على الذمِّ . الخامس : أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ . السادس : أنه منصوب بالنذير المبين ، قاله الزمخشري ، وهو مردودٌ بإعمال الوصفِ الموصوفِ عند البصريين ، وتقدَّم تقريرُه .

و " عِضيْن " جمع " عِضَة " وهي الفِرْقَةُ ، ف " العِضين " الفِرَق ، ومعنى جَعْلِهم القرآنَ كذلك : أنَّ بعضَهم جعله شعراً ، وبعضَهم سحراً ، وبعضَهم كِهانةً ، نعوذ بالله من ذلك . وقيل : العَضْهُ : السِّحْرُ بلغة قريش ، يقولون : هو عاضِهٌ وهي عاضِهَةٌ . قال :

أَعُوذُ بربِّي مِن النَّافِثا *** تِ في عُقَدِ العاضِهِ المُعْضِهِ

وفي الحديث : " لَعَن العاضِهَة والمُسْتَعْضِهَة " ، أي : الساحرة والمُسْتَسْحِرَة . وقيل : هو مِنْ العِضَهِ ، وهو الكذبُ والبُهْتانُ . يقال : عَضَهَهُ عَضْهَاً وعَضِيْهَةً ، أي : رماه بالبُهتان ، وهذا قولُ الكسائيِّ . وقيل : هو من العِضَاه ، وهي شجرٌ شَوْكٌ مُؤْذٍ ، قاله الفراء .

وفي لام " عِضَة " قولان يَشْْهد لكلٍّ منهما التصريفُ : الواوُ ، لقولهم : عِضَوات ، واشتقاقها من العُضْوِ ، لأنه جزءٌ مِنْ كلٍّ ، ولتصغيرِها على عُضَيِّة ، والهاء/ لقولهم : عُضَيْهَة وعاضِهٌ وعاضِهَةٌ وعَضِهٌ ، وفي الحديث : " لا تَعْضِيَةَ في مِيراثٍ " وفُسِّر بأنْ لا تَفْريقَ فيما يَضُرُّ بالوَرَثَةِ ، تفريقُه كسيفٍ يُكْسَر بنصفَيْن فَيَنْقُصُ ثمنُه .

وقال الزمخشريُّ : " عَضين : أجزاءٌ ، جمع عِضَة ، وأصلُها عِضْوَة فِعْلَة ، مِنْ عَضَا الشاةَ إذا جَعَلها أعضاءً . قال :

وليسَ دينُ اللهِ بالمُعَضَّى ***

وجُمِعََ عِضَة على عِضين ، كما جُمع سَنَة وثُبَة وظُبَةَ ، وبعضهم يُجْري النونَ بالحركاتِ مع الياء ، وقد تقدَّم تقريرُ ذلك ، وحينئذ تَثْبُُتُ نونُه في الإِضافةِ فيقال : هذه عِضِيْنُك .