فالعذاب لا بد أن يقع عليهم من الله ، فإما أن يعجل لهم في الدنيا ، وإما أن يؤخر عنهم إلى الآخرة{[1224]} ، فلو عرفوا الله تعالى ، وعرفوا عظمته ، وسعة سلطانه وكمال أسمائه وصفاته ، لما استعجلوا ولاستسلموا وتأدبوا ، ولهذا أخبر تعالى من عظمته ما يضاد أقوالهم القبيحة فقال : { ذِي الْمَعَارِجِ }
وقوله : ذِي المَعارِجِ يعني : ذا العلوّ والدرجات والفواضل والنعم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : ذِي المَعارِج يقول : العلوّ والفواضل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة مِنَ اللّهِ ذِي المَعارِجِ : ذي الفواضل والنّعم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : مِنَ اللّهِ ذِي المَعارِجِ قال معارج السماء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ذِي المَعارِجِ قال : الله ذو المعارج .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن رجل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ذِي المَعارِجِ قال : ذي الدرجات .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم عظم الرب تبارك وتعالى نفسه فقال: {من الله ذي المعارج} يعني ذا الدرجات، يعني السماوات، والعرش فوقهم، والله تعالى على العرش.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"ذِي المَعارِجِ "يعني: ذا العلوّ والدرجات والفواضل والنعم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
واختلفوا في المعارج: قال بعضهم هي المصاعد، وهي السماوات، وسماهن مصاعد لأن بعضها أصعد من بعض وأرفع... ذكر المصاعد لأن هذا أعلى في الوصف.
ثم في ذكر هذا عظم نعمه وإحسانه على خلقه حين خلق السماوات مسكنا لأهلها، وخلق الأرض مسكنا حتى إذا عرفوا هذا عرفوا أن له أن يفضل بعضا على بعض، وله أن يصطفي من يشاء من الناس للرسالة، ويختص بها، وذكرهم أيضا حكمته وعلمه وقدرته وسلطانه أنه حين وضع سماء [على سماء] وخلقهن طباقا من غير عمد تحتها، تمسكها أو علائق من فوقها، تربطها، يبين أنه يمسكها بحكمته وقدرته وسلطانه، فيكون في ذكر كل وجه في ما ذكرنا إزالة الشبهة التي اعترضت لهم في أمر البعث والرسالة، وإيضاح بأن من قدر على ما ذكرنا قادر على الإعادة بعد الإفناء.
وقوله: {ذي المعارج} المعالي: أي الذي له العلو والرفعة... يحتمل وجهين:
أحدهما: أي ليس أحد يستفيد العلو والكرامة إلا وحقيقة ذلك لله تعالى، لأنه استفاده به.
والثاني: أي هو الموصوف بالعلو والجلال عما يقع عليه أوهام الخلق.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والذي اقتضى ذكر المعارج البيان عن العقاب الذي يجب أن يخافه، على خلاف هذا الجاهل الذي سأل العذاب الواقع على من كفر نعمته.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{من الله} أي الملك الأعلى الذي لا كفؤ له فلا أمر لأحد معه، وإذا لم يكن له دافع منه لم يكن دافع من غيره وقد تقدم الوعد به، ودلت الحكمة عليه فتحتم وقوعه وامتنع رجوعه.
ولما كان القادر يوصف بالعلو، والعاجز يوصف بالسفول والدنو، وكان ما يصعد فيه إلى العالي يسمى درجاً، وما يهبط فيه إلى السافل يسمى دركاً، وكانت الأماكن كلها بالنسبة إليه سبحانه على حد سواء، اختير التعبير بما يدل على العلو الذي يكنى به عن القدرة والعظمة، فقال واصفاً بما يصلح كونه مشيراً إلى التعليل: {ذي المعارج} أي الدرج التي لا انتهاء لها أصلاً -بما دلت عليه صيغة منتهى الجموع وهي كناية عن العلو، وسميت بذلك لأن الصاعد في الدرج يشبه مشية الأعرج.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وإجراء وصف {ذي المعارج} على اسم الجلالة لاستحضار عظمة جلالة ولإِدماج الإِشعار بكثرة مراتب القرب من رضاه وثوابه، فإن المعارج من خصائص منازل العظماء قال تعالى: {لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون} [الزخرف: 33]. ولكل درجة المعارج قوم عملوا لنوالها قال تعالى: {يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11]، وليكون من هذا الوصف تخلص إلى ذكر يوم الجزاء الذي يكون فيه العذاب الحق للكافرين.
و {المعارج}: جمع مِعْرَج بكسر الميم وفتح الراء وهو ما يعرج به، أي يصعد من سلم ومدرج.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.