مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلۡمَعَارِجِ} (3)

وقوله : { من الله } فيه وجهان ( الأول ) أن يكون تقدير الآية بعذاب واقع من الله للكافرين ( الثاني ) أن يكون التقدير ليس له دافع من الله ، أي ليس لذلك العذاب الصادر من الله دافع من جهته ، فإنه إذا أوجبت الحكمة وقوعه امتنع أن لا يفعله الله وقوله : { ذي المعارج } المعارج جمع معرج وهو المصعد ، ومنه قوله تعالى : { ومعارج عليها يظهرون } والمفسرون ذكروا فيه وجوها ( أحدها ) قال ابن عباس في رواية الكلبي : { ذي المعارج } ، أي ذي السموات ، وسماها معارج لأن الملائكة يعرجون فيها ( وثانيها ) قال قتادة : ذي الفواضل والنعم وذلك لأن لأياديه ووجوه إنعامه مراتب ، وهي تصل إلى الناس على مراتب مختلفة ( وثالثها ) أن المعارج هي الدرجات التي يعطيها أولياءه في الجنة ، وعندي فيه ( وجه رابع ) وهو أن هذه السموات كما أنها متفاوتة في الارتفاع والانخفاض والكبر والصغر ، فكذا الأرواح الملكية مختلفة في القوة والضعف والكمال والنقص وكثرة المعارف الإلهية وقوتها وشدة القوة على تدبير هذا العالم وضعف تلك القوة ، ولعل نور إنعام الله وأثر فيض رحمته لا يصل إلى هذا العالم إلا بواسطة تلك الأرواح ، إما على سبيل العادة أولا كذلك على ما قال : { فالمقسمات أمرا } ، { فالمدبرات أمرا } فالمراد بقوله : { من الله ذي المعارج } الإشارة إلى تلك الأرواح . المختلفة التي هي كالمصاعد لارتفاع مراتب الحاجات من هذا العالم إليها وكالمنازل لنزول أثر الرحمة من ذلك العالم إلى ما هاهنا .