{ وَ } لما فعلوا فيه هذا الفعل ، وأقام عليهم الحجة ، وأعذر منهم ، { قال إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي } أي : مهاجر إليه ، قاصد إلى الأرض المباركة أرض الشام . { سَيَهْدِينِ } يدلني إلى ما فيه الخير لي ، من أمر ديني ودنياي ، وقال في الآية الأخرى : { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا }
عندئذ استدبر إبراهيم مرحلة من حياته ليستقبل مرحلة ؛ وطوى صفحة لينشر صفحة :
( وقال : إني ذاهب إلى ربي سيهدين ) . .
هكذا . . إني ذاهب إلى ربي . . إنها الهجرة . وهي هجرة نفسية قبل أن تكون هجرة مكانية . هجرة يترك وراءه فيها كل شيء من ماضي حياته . يترك أباه وقومه وأهله وبيته ووطنه وكل ما يربطه بهذه الأرض ، وبهؤلاء الناس . ويدع وراءه كذلك كل عائق وكل شاغل . ويهاجر إلى ربه متخففاً من كل شيء ، طارحاً وراءه كل شيء ، مسلماً نفسه لربه لا يستبقي منها شيئاً . موقن أن ربه سيهديه ، وسيرعى خطاه ، وينقلها في الطريق المستقيم .
إنها الهجرة الكاملة من حال إلى حال ، ومن وضع إلى وضع ، ومن أواصر شتى إلى آصرة واحدة لا يزحمها في النفس شيء . إنه التعبير عن التجرد والخلوص والاستسلام والطمأنينة واليقين .
{ وقال إني ذاهب إلى ربي } إلى حيث أمرني ربي وهو الشام ، أو حيث أتجرد فيه لعبادته . { سيهدين } إلى ما فيه صلاح ديني أو إلى مقصدي ، وإنما بت القول لسبق وعده أو لفرط توكله ، أو البناء على عادته معه ولم يكن كذلك حال موسى عليه الصلاة والسلام حين { قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } فلذلك ذكر بصيغة التوقع .
قالت فرقة : إن قول إبراهيم { إني ذاهب } كان بعد خروجه من النار ، وإنه أشار بذهابه إلى هجرته من أرض بابل حيث كانت مملكة نمرود فخرج إلى الشام ويروى إلى بلاد مصر ، وقالت فرقة : قوله { إني ذاهب } ليس مراده به الهجرة كما في آية أخرى وإنما مراده لقاء الله بعد الاحتراق ولأنه ظن أن النار سيموت فيها ، فقال هذه المقالة قبل أن يطرح في النار ، فكأنه قال إني سائر بهذا العمل إلى ربي ، وهو سيهديني إلى الجنة ، نحا إلى هذا المعنى قتادة ، وللعارفين بهذا الذهاب تمسك واحتجاج في الصفاء وهو محمل حسن في { أني ذاهب } وحده ، والأول أظهر من نمط الآية بما بعده ، لأن الهداية معه تترتب ، والدعاء في الولد كذلك ، ولا يصح مع ذهاب الفناء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.