الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهۡدِينِ} (99)

وقوله : { إِنّي ذَاهِبٌ إلى رَبِّى } الآية ، قالتْ فرقة : كان قولُهُ هذا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ النَّارِ ، وأنَّه أَشَارَ بِذَهَابِهِ إلى هِجْرَتِهِ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ ؛ حَيْثُ كَانَتْ مملكةُ نُمْرُودَ ، فَخَرَجَ إلى الشَّامِ ، وقالت فِرْقَةٌ : قال هذه المقالةَ قَبْلَ أنْ يُطْرَحَ فِي النَّارِ ؛ وإنما أراد لِقَاءَ اللَّهِ ؛ لأنَّه ظَنَّ أنَّ النَّارَ سَيَمُوتُ فِيها ، وقال : { سَيَهْدِينِ } أي : إلى الجَنَّةِ ؛ نَحَا إلى هذَا المعنى قتادةُ ، قال ( ع ) : وللعارفينَ بهذَا الذَّهَابِ تَمَسُّكٌ واحْتِجَاجٌ في الصَّفَاءِ ، وهُو مَحْمَلٌ حَسَنٌ في { إِنِّي ذَاهِبٌ } وحْدَهُ ، والتأويلُ الأولُ أظْهِرَ في نَمَطِ الآيةِ ، بما يأتي بَعْدُ ؛ لأنَّ الهدايةَ مَعَهُ تَتَرَتَّبُ ، والدُّعَاءُ في الوَلَدِ كذلك ، ولاَ يَصِحُّ مَعَ ذَهَابِ المَوْتِ ، وباقي الآيةِ تَقَدَّمَ قَصَصُهَا ، وأَنَّ الراجحَ أنَّ الذَّبِيحَ هُوَ إسْمَاعِيلُ ، وذَكَرَ الطبريُّ أنَّ ابن عباس قال : الذبيحُ ، إِسماعيل ، وتَزْعُمُ اليهودُ أنَّهُ إسْحَاقُ ، وكَذَبَتِ اليهُودُ ، وذُكِرَ أيضاً أنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العزيزِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَجُلاً يهوديًّا كانَ أسْلَمَ وحَسُنَ إسلامُه ، فَقَال : الذَّبِيحُ هُوَ إسْمَاعِيلُ ، وإن اليهودَ لَتَعْلَمُ ذلكَ ، ولكنهمْ يَحْسُدُونَكُمْ مَعْشَرَ العَرَبِ : أنْ تَكُونَ هذه الآيَاتُ وَالْفَضْلُ وَاللَّهِ في أَبِيكُمْ .