نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهۡدِينِ} (99)

ولما كان التقدير : فأجمع النزوح عن بلادهم لأنهم عدلوا عن الحجة إلى العناد ، عطف عليه قوله : { وقال } أي إبراهيم عليه السلام لمن يتوسم فيه أن كلامه يحييه من موت الجهل مؤكداً لأن فراق الإنسان لوطنه لا يكاد يصدق به : { إني ذاهب } أي مهاجر من غير تردد ، قالوا : وهو أول من هاجر من الخلق { إلى ربي } أي إلى الموضع الذي أمرني المحسن إليّ بالهجرة إليه ، فلا يحجر عليّ أحد في عبادته فيه .

ولما كان حال سامعه جديراً بأن يقول : من لك بالمعرفة بما يحصل قصدك هذا من التعريف بالموضوع وبما تفعل فيه مما يكون به الصلاح ، وما تفعل في التوصل إليه ؟ قال : { سيهدين * } أي إلى جميع ذلك بوعد لا خلف فيه إلى كل ما فيه تربية لي في أمر الهجرة لأنه أمرني بها ، وهو لا يأمر بشيء إلا نصب عليه دليلاً يهدي إليه ، ويسهل لقاصده المجتهد في أمره سبيله ، وقد اختلفت العبارات عن سير الأصفياء إلى الحضرات القدسية ، فهذه العبارة عن أمر الخليل عليه السلام ، وعبر عن أمر الكليم عليه السلام بقوله{ ولما جاء موسى لميقاتنا }[ الأعراف : 143 ] وعن أمر الحبيب عليه السلام بقوله{ سبحان الذي أسرى بعبده }[ الأسراء :1 ] قال الأستاذ أبو القاسم القشيري وفصل بين هذه المقامات : إبراهيم عيله السلام كان بعين الفرق - يعني أنه بعدما كان فيه من الجمع حين كسر الأصنام من الفناء عما سوى الله رجع إلى حال الفرق لأنه لا بد من ذلك - وموسى عيله السلام بعين الجمع لأنه أخبر عن فعله من غير أن ينسب إليه قولاً ، ثم أخبر أنه قال { رب أرني } فلم ير غيره سبحانه فطلب أن يريه وهذا هو الفناء ، ونبينا صلى الله عليه وسلم بعين جمع الجمع - لأنه لم ينسب إليه قول ولا فعل ، بل هو المراد إلى أن قال { لنريه من آياتنا } فهذا هو الفناء حتى عن الفناء ، ثم قال : { أنه هو السميع البصير } فأثبت له مع ذلك الكمال .