النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهۡدِينِ} (99)

{ وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين } وفي زمان هذا القول منه قولان :

أحدهما : أنه قال عند إلقائه في النار ، وفيه على هذا القول تأويلان :

أحدهما : إني ذاهب إلى ما قضى به عليّ ربي .

الثاني : إني ميت كما يقال لمن مات قد ذهب إلى الله تعالى لأنه عليه السلام{[2351]} تصور أنه يموت بإلقائه في النار على المعهود من حالها في تلف ما يلقى فيها إلى أن قيل لها كوني برداً وسلاماً ، فحينئذٍ سلم إبراهيم منها .

وفي قوله : { سيهدين } على هذا القول تأويلان :

أحدهما : سيهدين إلى الخلاص من النار .

الثاني{[2352]} : إلى الجنة .

فاحتمل ما قاله إبراهيم من هذا وجهين :

أحدهما : أن يقوله لمن يلقيه{[2353]} في النار فيكون ذلك تخويفاً لهم .

الثاني : أن يقوله لمن شاهده{[2354]} من الناس الحضور فيكون ذلك منه إنذارً لهم ، فهذا تأويل ذلك على قول من ذكر أنه قال{[2355]} قبل إلقائه في النار .

والقول الثاني : أنه قاله بعد خروجه من النار .

{ إني ذاهب إلى ربي } وفي هذا القول ثلاثة تأويلات :

أحدها : إني منقطع إلى الله بعبادتي ، حكاه النقاش .

الثاني : ذاهب إليه بقلبي وديني وعملي ، قاله قتادة .

الثالث : مهاجر إليه بنفسي فهاجر من أرض العراق . قال مقاتل : هو أول من هاجر من الخلق مع لوط وسارة .

وفي البلد الذي هاجر إليه قولان :

أحدهما : إلى أرض الشام .

الثاني : إلى أرض حران ، حكاه النسائي{[2356]} .

وفي قوله : سيهدين على هذا القول تأويلان :

أحدهما : سيهدين إلى قول : حسبي الله عليه توكلت ، قاله سليمان .

الثاني : إلى طريق الهجرة ، قاله يحيى .

واحتمل هذا القول منه وجهين :

أحدهما : أن يقوله لمن فارقه من قومه فيكون ذلك توبيخاً لهم .

الثاني : أن يقوله لمن هاجر معه من أهله فيكون ذلك منه ترغيباً .


[2351]:السلام ساقطة من ع ولا يستقيم المعنى بدونها وهي ثابتة في ك
[2352]:"الثاني" من ك
[2353]:في ك يلقاها.
[2354]:في ك لمن شاهدوه.
[2355]:قاله ساقطة من ك.
[2356]:في ك الكسائي.