22- ولا تتزوجوا - أيها الأبناء - ما تزوج آباؤكم من النساء ، إنه كان أمراً فاحش القبح ، يمقته الله والناس ، وهو أسوأ سبيل ومقصد ، وأن الله يعفو عما قد سلف منكم في زمن الجاهلية{[40]} .
قوله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } . كان أهل الجاهلية ينكحون أزواج آبائهم ، قال الأشعث بن سوار : توفي أبو قيس وكان من صالحي الأنصار ، فخطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت : إني اتخذتك ولداً وأنت من صالحي قومك ، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره ، فأتته فأخبرته ، فأنزل الله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } .
قوله تعالى : { إلا ما قد سلف } . قيل : بعد ما سلف ، وقيل : معناه لكن ما سلف أي : ما مضى في الجاهلية فهو معفو عنه .
قوله تعالى : { إنه كان فاحشةً } . أي إنه فاحشة وكان فيه صلة ، والفاحشة أقبح المعاصي .
قوله تعالى : { ومقتاً } أي : يورث مقت الله ، والمقت : أشد البغض .
قوله تعالى : { وساء سبيلا } . وبئس ذلك طريقاً ، وكانت العرب تقول لولد الرجل من امرأة أبيه مقيت . وكان منهم الأشعث بن قيس ، وأبو معيط بن أبي عمرو بن أمية . أخبرنا محمد بن الحسن المروزي ، أخبرنا أبو سهل محمد بن عمرو السجزي ، أنا الإمام أبو سليمان الخطابي ، أنا أحمد بن هشام الحضرمي ، أنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، عن حفص بن غياث ، عن أشعث بن سوار ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب ، قال : مر بي خالي ومعه لواء فقلت : أين تذهب ؟ قال : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه آتيه برأسه .
ثم قال تعالى : { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا }
أي : لا تتزوجوا من النساء ما تزوجهن آباؤكم أي : الأب وإن علا . { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } أي : أمرا قبيحا يفحش ويعظم قبحه { وَمَقْتًا } من الله لكم ومن الخلق بل يمقت بسبب ذلك الابن أباه والأب ابنه ، مع الأمر ببره .
{ وَسَاءَ سَبِيلًا } أي : بئس الطريق طريقا لمن سلكه لأن هذا من عوائد الجاهلية ، التي جاء الإسلام بالتنزه عنها والبراءة منها .
وفي نهاية هذه الفقرة يحرم تحريما باتا - مع التفظيع والتبشيع - أن ينكح الأبناء ما نكح آباؤهم من النساء . وقد كان ذلك في الجاهلية حلالا . وكان سببا من أسباب عضل النساء أحيانا ، حتى يكبر الصبي فيتزوج امرأة أبيه ، أو إن كان كبيرا تزوجها بالوراثة كما يورث الشيء ! فجاء الإسلام يحرم هذا الأمر أشد التحريم :
( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء - إلا ما قد سلف - إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ) . .
ويبدو لنا من حكمة هذا التحريم ثلاثة اعتبارات - وإن كنا نحن البشر لا نحيط بكل حكمة التشريع ، ولا يتوقف خضوعنا له ، وتسليمنا به ، ورضاؤنا إياه على إدراكنا أو عدم إدراكنا لهذه الحكمة ، فحسبنا أن الله قد شرعه ، لنستيقن أن وراءه حكمة ، وأن فيه المصلحة .
نقول : يبدو لنا من حكمة هذا التحريم ثلاثة اعتبارات : الأول أن امرأة الأب في مكان الأم . والثاني : ألا يخلف الابن أباه ؛ فيصبح في خياله ندا له . وكثيرا ما يكره الزوج زوج امرأته الأول فطرة وطبعا ، فيكره أباه ويمقته ! والثالث : ألا تكون هناك شبهة الإرث لزوجة الأب . الأمر الذي كان سائدا في الجاهلية . وهو معنى كريه يهبط بإنسانية المرأة والرجل سواء . وهما من نفس واحد ، ومهانة أحدهما مهانة للآخر بلا مراء .
لهذه الاعتبارات الظاهرة - ولغيرها مما يكون لم يتبين لنا - جعل هذا العمل شنيعا غاية الشناعة . . جعله فاحشة . وجعله مقتا : أي بغضا وكراهية . وجعله سبيلا سيئا . . إلا ما كان قد سلف منه في الجاهلية ، قبل أن يرد في الإسلام تحريمه . فهو معفو عنه . متروك أمره لله سبحانه . .
{ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم } ولا تنكحوا التي نكحها آباؤكم ، وإنما ذكر ما دون من لأنه أريد به الصفة ، وقيل ما مصدرية على إرادة المفعول من المصدر . { من النساء } بيان ما نكح على الوجهين . { إلا ما قد سلف } استثناء من المعنى اللازم للنهي وكأنه قيل : وتستحقون العقاب بنكاح ما نكح آباؤكم إلا ما قد سلف ، أو من اللفظ للمبالغة في التحريم والتعميم كقوله :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** بهن فلول من قراع الكتائب
والمعنى ولا تنكحوا حلائل آبائكم إلا ما قد سلف إن أمكنكم أن تنكحوهن . وقيل الاستثناء منقطع ومعناه لكن ما قد سلف ، فإنه لا مؤاخذة عليه لأنه مقرر . { إنه كان فاحشة ومقتا } علة للنهي أي إن نكاحهن كان فاحشة عند الله ما رخص فيه لأمة من الأمم ، ممقوتا عند ذوي المروءات ولذلك سمي ولد الرجل من زوجة أبيه المقتي { وساء سبيلا } سبيل من يراه ويفعله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.