{ فإذا فرغت فانصب } أي فاتعب ، والنصب : التعب ، قال ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل ، والكلبي : فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة يعطك . وروى عبد الوهاب عن مجاهد عن أبيه قال : إذا صليت فاجتهد في الدعاء والمسألة . وقال ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل . وقال الشعبي : إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك . وقال الحسن وزيد بن أسلم : إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في عبادة ربك . وقال منصور عن مجاهد : إذا فرغت من أمر الدنيا فانصب في عبادة ربك وصل . وقال حيان عن الكلبي : إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب ، أي : استغفر لذنبك وللمؤمنين .
ثم يجيء التوجيه الكريم لمواقع التيسير ، وأسباب الانشراح ، ومستودع الري والزاد في الطريق الشاق الطويل : ( فإذا فرغت فانصب . وإلى ربك فارغب ) . .
إن مع العسر يسرا . . فخذ في أسباب اليسر والتيسير . فإذا فرغت من شغلك مع الناس ومع الأرض ، ومع شواغل الحياة . . إذا فرغت من هذا كله فتوجه بقلبك كله إذن إلى ما يستحق أن تنصب فيه وتكد وتجهد . . العبادة والتجرد والتطلع والتوجه . .
وقوله : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } أي : إذا فَرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها ، فانصب في العبادة ، وقم إليها نشيطا فارغ البال ، وأخلص لربك النية والرغبة . ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته : " لا صلاة بحضرة طعام ، ولا وهو يدافعه الأخبثان " {[30227]} وقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء ، فابدءوا بالعَشَاء " {[30228]} .
قال مجاهد في هذه الآية : إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة ، فانصب لربك ، وفي رواية عنه : إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك ، وعن ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل . وعن ابن عياض نحوه . وفي رواية عن ابن مسعود : { فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } بعد فراغك من الصلاة وأنت جالس .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } يعني : في الدعاء .
وقال زيد بن أسلم ، والضحاك : { فَإِذَا فَرَغْتَ } أي : من الجهاد { فَانْصَبْ } أي : في العبادة . { وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } قال الثوري : اجعل نيتك ورغبتك إلى الله ، عز وجل .
ثم أمر نبيه عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من شغل من أشغال النبوة والعبادة أن ينصب في آخر ، والنصب : التعب ، فالمعنى أن يدأب على ما أمر به ولا يفتر ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : المعنى : فإذا فرغت من فرضك فانصب في التنفل عبادة لربك ، وقال ابن مسعود : فانصب في قيام الليل ، وعن مجاهد : فإذا فرغت من شغل دنياك فانصب في عبادة ربك ، وقيل : المعنى : إذا فرغت من الركعات فاجلس في التشهد وانصب في الدعاء ، وقال ابن عباس وقتادة : معنى الكلام : فإذا فرغت من العبادة فانصب في الدعاء ، وقال الحسن بن أبي الحسن : فإذا فرغت من الجهاد فانصب في العبادة ، ويعترض هذا التأويل بأن الجهاد فرض بالمدينة .
وقرأ أبو السمال ( فرغت ) بكسر الراء ، وهي لغة ، وقرأ قوم ( فانصب ) بشد الباء وفتحها ، ومعناها : إذا فرغت من الجهاد ( فانصب ) إلى المدينة ، ذكرها النقاش منبها على أنها خطأ ، وقرأ آخرون من الإمامية : ( فانصب ) بكسر الصاد بمعنى إذا فرغت من أمر النبوة ( فانصب ) خليفة ، وهي قراءة شاذة ضعيفة المعنى لم تثبت عن عالم ، ومر شريح على رجلين يصطرعان فقال : ليس بهذا أمر الفراغ ، تلا هذه الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.