{ لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } قرأ حمزة وإسماعيل : " كفؤا " ساكنة الفاء مهموزاً ، وقرأ حفص عن عاصم بضم الفاء من غير همز ، وقرأ الآخرون بضم الفاء مهموزاً ، وكلها لغات صحيحة ، ومعناه : المثل ، أي : هو أحد . وقيل : على التقديم والتأخير ، مجازه : ولم يكن له أحداً كفواً ، أي مثلا . قال مقاتل : قال مشركو العرب : الملائكة بنات الله ، وقالت اليهود : عزير ابن الله ، وقالت النصارى : المسيح ابن الله ، فأكذبهم الله ، ونفى عن ذاته الولادة والمثل .
وقوله : { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } أي : ليس له ولد ، ولا والد ، ولا صاحبة .
قال مجاهد : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } يعني : لا صاحبة له .
وهذا كما قال تعالى : { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 101 ] أي : هو مالك كل شيء وخالقه ، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه ، أو قريب يدانيه ، تعالى وتقدس وتنزه . قال الله تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } [ مريم : 88 -95 ] ، وقال تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [ الأنبياء : 26 ، 27 ] ، وقال تعالى : { وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ الصافات : 158 ، 159 ] ، وفي الصحيح -صحيح البخاري- : " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم يجعلون له ولدا ، وهو يرزقهم ويعافيهم " {[30794]} .
وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هُرَيرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله ، عز وجل : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يُعيدَني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته . وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدًا . وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد " .
ورواه أيضا من حديث عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن همام بن مُنَبِّه ، عن أبي هريرة ، مرفوعًا بمثله . تفرد بهما من هذين الوجهين{[30795]}
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ لم يلد } فيورث ، { ولم يولد } فيشارك ، وذلك أن مشركي العرب ، قالوا : الملائكة بنات الرحمن ، وقالت اليهود : عزيز ابن الله ، وقالت النصارى : المسيح ابن الله ، فأكذبهم الله عز وجل ، فبرأ نفسه من قولهم ، فقال :{ لم يلد } يعني لم يكن له ولد { ولم يولد } كما ولد عيسى وعزيز ومريم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{ لَمْ يَلِدْ } يقول : ليس بفان ، لأنه لا شيء يلد إلا هو فان بائد { ولَمْ يُولَدْ } يقول : وليس بمحدث لم يكن فكان ؛ لأن كلّ مولود فإنما وُجد بعد أن لم يكن ، وحدث بعد أن كان غير موجود ، ولكنه تعالى ذكره قديم لم يزل ، ودائم لم يَبِد ، ولا يزول ولا يفنى ....
السؤال الأول : لم قدم قوله : { لم يلد } على قوله : { ولم يولد } مع أن في الشاهد يكون أولا مولودا ، ثم يكون والدا ؟
( الجواب ) : إنما وقعت البداءة بأنه لم يلد ، لأنهم ادعوا أن له ولدا ، وذلك لأن مشركي العرب قالوا : الملائكة بنات الله وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ، ولم يدع أحد أن له والدا، فلهذا السبب بدأ بالأهم، فقال : { لم يلد } ثم أشار إلى الحجة فقال : { ولم يولد } كأنه قيل : الدليل على امتناع الولدية اتفاقنا على أنه ما كان ولدا لغيره .
السؤال الثاني : لماذا اقتصر على ذكر الماضي فقال : { لم يلد } ولم يقل : لن يلد ؟
( الجواب ) : إنما اقتصر على ذلك لأنه ورد جوابا عن قولهم ولد الله والدليل عليه قوله تعالى : { ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله } فلما كان المقصود من هذه الآية تكذيب قولهم وهم إنما قالوا ذلك في الماضي ، لا جرم وردت الآية على وفق قولهم . ....
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ ولم يولد } ؛ لأنه لو تولد عنه غيره تولد هو عن غيره ، كما هو المعهود والمعقول ، فهو قديم لا أول له ؛ بل هو الأول الذي لم يسبقه عدم ؛ لأن الولادة لا تكون ولا تتشخص إلا بواسطة المادة وعلاقتها ، وكل ما كان مادياً أو كان له علاقة بالمادة ، كان متولداً عن غيره ، فكان لا يصح أن يتولد عنه شيء ؛ لأنه لا يصح أن يكون هو متولداً عن غيره ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
( لم يلد ولم يولد ) . . فحقيقة الله ثابتة أبدية أزلية ، لا تعتورها حال بعد حال . صفتها الكمال المطلق في جميع الأحوال . والولادة انبثاق وامتداد ، ووجود زائد بعد نقص أو عدم ، وهو على الله محال . ثم هي تقتضي زوجية . تقوم على التماثل . وهذه كذلك محال . ومن ثم فإن صفة( أحد ) تتضمن نفي الوالد والولد . .