التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ} (3)

{ لم يلد } هذا رد على كل من جعل لله ولدا ، فمنهم النصارى في قولهم : " عيسى ابن الله " ، واليهود في قولهم : " عزير ابن الله " ، والعرب في قولهم : " الملائكة بنات الله " ، وقد أقام الله البراهين في القرآن على نفي الولد ، وأوضحها أربعة أقوال :

الأول : أن الولد لا بد أن يكون من جنس والده . والله تعالى ليس له جنس ، فلا يمكن أن يكون له ولد ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : { ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام } [ المائدة : 75 ] ، فوصفهما بصفة الحدوث لينفي عنهما صفة القدم ، فتبطل مقالة الكفار .

والثاني : أن الوالد إنما يتخذ ولدا للحاجة إليه ، والله لا يفتقر إلى شيء ، فلا يتخذ ولدا ، وإلى هذا أشار بقوله : { قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني } [ يونس : 68 ] .

الثالث : أن جميع الخلق عباد الله ، والعبودية لا تنافي النبوة ، وإلى هذا أشار بقوله تعالى : { إن كل من في السموات والأرض إلا آت الرحمن عبدا } [ مريم : 93 ] .

الرابع : أنه لا يكون له ولد إلا لمن له زوجة ، والله تعالى لم يتخذ زوجة ، فلا يكون له ولد ، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى : { أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة } [ الأنعام : 101 ] .

{ ولم يولد } هذا رد على الذين قالوا : انسب لنا ربك ، وذلك أن كل مولود محدث ، والله تعالى هو الأول الذي لا افتتاح لوجوده ، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره ، فلا يمكن أن يكون مولودا تعالى عن ذلك .