فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ} (3)

{ لم يلد ولم يولد . ( 3 ) ولم يكن له كفوا أحد( 4 ) } ليس الله تعالى شبيه يلحقه ، فإنه سبحانه لا ولد له ؛ { وما ينبغي للرحمان أن يتخذا ولدا . إن كل من في السماوات والأرض إلا أتى الرحمان عبدا }{[14503]} وليس له شبيه تقدم عليه ، فإنه عز وجل لم يولد ؛ وليس لربنا الكبير المتعال مثيل ولا شبيه يقارنه ، فما له مثلا أحد ؛ وقوله تعالى : { الله الصمد } مبتدأ وخبر . . و{ الصمد } قال ابن الأنباري : لا خلاف بين أهل اللغة أنه السيد الذي ليس فوقه أحد ، الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم ؛ وقال الزجاج : هو الذي ينتهي إليه السؤدد ، ويصمد إليه- أي يقصده- كل شيء . . . وعن ابن جبير : هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله{[14504]} .

هذا وقد أورد جمهور من المفسرين عدة أسماء لهذه السورة الكريمة{[14505]} ؛ وذكروا في فضلها عشرات الأحاديث- قريبا من ثلاثين حديثا- لكن صح منها : ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري أن رجلا سمع رجلا يقرأ { قل هو الله أحد } يرددها ، فلما أصبح جاء إلى النبي عليه وسلم ، فذكر ذلك ، وكان الرجل يتقالها- أي يعتقد أنها قليلة ، في العمل ، لا في القدر- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن " ؛ وعنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة " ؟ فشق ذلك عليهم ؛ وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال : " الله الواحد الصمد ثلث القرآن " . في شرح العيني : قوله : ( الله الواحد الصمد ) كناية عن : { قل هو الله أحد } خرجه مسلم .

عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله جل وعز جزأ القرآن ثلاثة أجزاء ، فجعل { قل هو الله أحد } جزءا من أجزاء القرآن " ؛ رواه مسلم .

وروى مسلم عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم ، فيختم ب { قل هو الله أحد } ؛ فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " سلوه لأي شيء صنع ذلك " ؟ فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمن ، فأنا أحب أن أقرأ بها ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أخبروه أن الله عز وجل يحبه " .

روى البخاري في كتاب الصلاة . . . عن أنس رضي الله عنه قال : كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء ، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح ب { قل هو الله أحد } حتى يفرغ منها ، ثم كان يقرأ سورة أخرى معها ، وكان يصنع ذلك في كل ركعة ، فكلمه أصحابه فقالوا : إنك تفتتح بهذه السورة ، ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بالأخرى ، فإما أن تقرأ بها ، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى ؛ فقال : ما أنا بتاركها ، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت ، وإن كرهتم تركتكم ، وكانوا يرون أنه من أفضلهم ، وكرهوا أن يؤمهم غيره ، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر ؛ فقال : " يا فلان ، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك ؟ وما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة " ؟ قال : إني أحبها ، قال : " حبك إياها أدخلك الجنة " .


[14503]:- سورة مريم. الآيتان: 92، 93.
[14504]:- ما بين العارضتين مما أورد صاحب روح المعاني؛ ثم تابع القول في الرد على من نسبوا إلى الله تعالى الولد، وأفاض في ذكر الأقانيم الثلاثة التي زعمها أهل التثليث، وأبطل مزاعمهم المنافية للاحدية والصمدية، وكتب في ذلك صفحات متتابعات.
[14505]:- واستشهدوا بأثار، وأحاديث فيها انقطاع وضعف؛ إلا القليل.