آخر : كون الشخص مولوداً أقدم من كونه والداً ، فلم قدم قوله { لم يلد } على قوله { ولم يولد } ، أجيب بأن النزاع إنما وقع في كونه والداً حين قالت النصارى : المسيح ابن الله ، واليهود : عزير ابن الله ، ومشركو العرب : الملائكة بنات الله ؛ بل المتفلسفة الذين قالوا : إنه يتولد عن واجب الوجود عقل ، وعن العقل الأول عقل آخر ، ونفس إلى آخر العقول العشرة والنفوس وهو العقل الفعال المدبر بزعمهم لما دون فلك القمر ، فكان نفي كونه والداً أهم . ثم أشار إلى طريق الاستدلال بقوله { ولم يولد } ، كأنه قال : الدليل على امتناع الوالد اتفاقنا على أنه ما كان ولداً لغيره . وأنا أقول : كون الشخص مولوداً اعتبار لمعلوليته ، وكونه والداً اعتبار لعليته ، ولا ريب أن اعتبار العلية مقدم على اعتبار المعلولية ، كما أن العلة بالذات متقدمة على المعلول ، فالسؤال مدفوع . قالوا : وإنما اقتصر على لفظ الماضي ؛ لأن النزاع كان واقعاً في المسيح وعزير ونحوهما ، فوقع قوله { لم يلد } جواباً عما ادعوه عليه . وأما قوله { ولم يولد } فلم يكن مفتقراً إلى هذا التوجيه ؛ لأن كل موجود إذا لم يكن مولوداً في مبدأ تكوّنه فلن يكون مولوداً بعد ذلك . وأقول : لعل المراد بقوله { لم يلد } نفي أن يكون هو ممن شأنه الولادة ، وهذا المعنى يشمل كل زمان ، وبهذا التفسير لا يصح على العاقر أنه لا يلد ، ويصح أنه يلد . واعلم أنه سبحانه بين كونه في ذاته وحقيقته منزهاً عن جميع أنحاء التراكيب بقوله { هو الله أحد } ، ثم بين كونه ممتنع التغير عما هو عليه من صفات الكمال ونعوت الجلال بقوله { الله الصمد } ، ثم أراد أن يشير إلى نفي من يماثله ، وهو إما لاحق وأبطله بقوله { لم يلد } ، وإما سابق وأحاله بقوله { ولم يولد } ، وإما مقارن في الوجود وزيفه بقوله { ولم يكن له كفواً أحد } ، ويجوز أن يكون الأوّلان إشارة إلى نفي من يماثله بطريق التولد أو التوالد ، والثالث تعميماً بعد التخصيص .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.