غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ} (3)

1

آخر : كون الشخص مولوداً أقدم من كونه والداً ، فلم قدم قوله { لم يلد } على قوله { ولم يولد } ، أجيب بأن النزاع إنما وقع في كونه والداً حين قالت النصارى : المسيح ابن الله ، واليهود : عزير ابن الله ، ومشركو العرب : الملائكة بنات الله ؛ بل المتفلسفة الذين قالوا : إنه يتولد عن واجب الوجود عقل ، وعن العقل الأول عقل آخر ، ونفس إلى آخر العقول العشرة والنفوس وهو العقل الفعال المدبر بزعمهم لما دون فلك القمر ، فكان نفي كونه والداً أهم . ثم أشار إلى طريق الاستدلال بقوله { ولم يولد } ، كأنه قال : الدليل على امتناع الوالد اتفاقنا على أنه ما كان ولداً لغيره . وأنا أقول : كون الشخص مولوداً اعتبار لمعلوليته ، وكونه والداً اعتبار لعليته ، ولا ريب أن اعتبار العلية مقدم على اعتبار المعلولية ، كما أن العلة بالذات متقدمة على المعلول ، فالسؤال مدفوع . قالوا : وإنما اقتصر على لفظ الماضي ؛ لأن النزاع كان واقعاً في المسيح وعزير ونحوهما ، فوقع قوله { لم يلد } جواباً عما ادعوه عليه . وأما قوله { ولم يولد } فلم يكن مفتقراً إلى هذا التوجيه ؛ لأن كل موجود إذا لم يكن مولوداً في مبدأ تكوّنه فلن يكون مولوداً بعد ذلك . وأقول : لعل المراد بقوله { لم يلد } نفي أن يكون هو ممن شأنه الولادة ، وهذا المعنى يشمل كل زمان ، وبهذا التفسير لا يصح على العاقر أنه لا يلد ، ويصح أنه يلد . واعلم أنه سبحانه بين كونه في ذاته وحقيقته منزهاً عن جميع أنحاء التراكيب بقوله { هو الله أحد } ، ثم بين كونه ممتنع التغير عما هو عليه من صفات الكمال ونعوت الجلال بقوله { الله الصمد } ، ثم أراد أن يشير إلى نفي من يماثله ، وهو إما لاحق وأبطله بقوله { لم يلد } ، وإما سابق وأحاله بقوله { ولم يولد } ، وإما مقارن في الوجود وزيفه بقوله { ولم يكن له كفواً أحد } ، ويجوز أن يكون الأوّلان إشارة إلى نفي من يماثله بطريق التولد أو التوالد ، والثالث تعميماً بعد التخصيص .

/خ4