محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ} (3)

ثم صرح ببعض ما يندرج فيما تقدم بقوله سبحانه { لم يلد } تنصيصا على إبطال زعم المفترين في حق الملائكة والمسيح ، ولذلك ورد النفي على صيغة الماضي ، أي لم يصدر عنه ولد ؛ لأنه لا يجانسه شيء ليمكن أن يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا ، كما نطق به قوله تعالى {[7584]} { أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة } ، ولا يفتقر إلى ما يعينه أو يخلفه لاستحالة الحاجة والفناء عليه سبحانه انتهى .

وقال ابن تيمية : وقد شمل ما أخبر به سبحانه من تنزيهه وتقديسه عما أضافوه إليه من الولادة كل أفرادها سواء سموها حسية أو عقلية ، كما تزعمه الفلاسفة الصابئون من تولد العقول العشرة ، والنفوس الفلكية التسعة التي هم مضطربون فيها ، هل هي جواهر أو أعراض ؟ وقد يجعلون العقول بمنزلة الذكور ، والنفوس بمنزلة الإناث ، ويجعلون ذلك آباءهم وأمهاتهم وآلهتهم وأربابهم القريبة ، وذلك شبيه بقول مشركي العرب وغيرهم الذين جعلوا له بنين وبنات ، قال تعالى{[7585]} :{ وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون } ، وقال تعالى{[7586]} { ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون } ، وكانوا يقولون : الملائكة بنات الله ، كما يزعم هؤلاء أن النفوس هي الملائكة ، وهي متولدة عن الله ، فقال تعالى : {[7587]} { ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون } ، والآيات في هذا كثيرة .

وقوله { ولم يولد } نفي لإحاطة النسب من جميع الجهات ، فهو الأول الذي لم يتقدمه والد كان منه ، وهو الآخر الذي لم يتأخر عنه ولد يكون عنه ، قال الإمام : قوله { ولم يولد } يصرح ببطلان ما يزعمه بعض أرباب الأديان من أن ابنا لله يكون إلها ، ويعبد عبادة الإله ، ويقصد فيما يقصد فيه الإله ؛ بل لا يستحيي الغالون منهم أن يعبروا عن والدته بأم الإله القادرة ، فإن المولود حادث ، ولا يكون إلا بمزاج ، وهو لا يسلم من عاقبة الفناء ، ودعوى أنه أزلي مع أبيه مما لا يمكن تعقله ، فهو سبحانه منزه عن ذلك .


[7584]:6 / الأنعام / 101.
[7585]:6 / الأنعام / 100.
[7586]:37-الصافات / 151 –152.
[7587]:16 / النحل / 57.