قوله تعالى : { فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك } حواء { فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } يعني : تتعب وتنصب ، ويكون عيشك من كد يمينك بعرق جبينك . قال السدي : يعني الحرث والزرع والحصيد والطحن والخبز . وعن سعيد بن جبير قال : أهبط إلى آدم ثور أحمر ، فكان يحرث عليه ، ويمسح العرق عن جبينه ، فذلك شقاؤه . ولم يقل : فتشقيا رجوعاً به إلى آدم لأن تعبه أكثر فإن الرجل هو الساعي على زوجته . وقيل : لأجل رؤوس الآي .
( فقلنا : يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك ، فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ، إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ) . .
وكانت هذه رعاية من الله وعنايته أن ينبه آدم إلى عدوه ويحذره غدره ، عقب نشوزه وعصيانه ، والامتناع عن السجود لآدم كما أمره ربه . ( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى )فالشقاء بالكد والعمل والشرود والضلال والقلق والحيرة واللهفة والانتظار والألم والفقدان . . كلها تنتظر هناك خارج الجنة ؛ وأنت في حمى منها كلها ما دمت في رحاب الفردوس . .
" فَقُلْنا يا آدَمُ إنّ هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ " ولذلك من شنآنه لم يسجد لك ، وخالف أمري في ذلك وعصاني ، فلا تطيعاه فيما يأمركما به ، فيخرجكما بمعصيتكما ربكما ، وطاعتكما له مِنَ الجَنّةِ فَتَشْقَى يقول : فيكون عيشك من كدّ يدك ، فذلك شقاؤه الذي حذّره به ، كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : أهبط إلى آدم ثور أحمر ، فكان يحرث عليه ، ويمسح العرق من جبينه ، فهو الذي قال الله تعالى ذكره : " فَلا يُخْرِجَنّكُما مِنَ الجَنّةِ فَتَشْقَى " فكان ذلك شقاءه .
وقال تعالى ذكره : فَتَشْقَى ولم يقل : فتشقيا ، وقد قال : فَلا يُخْرِجَنّكُما لأن ابتداء الخطاب من الله كان لاَدم عليه السلام ، فكان في إعلامه العقوبة على معصيته إياه ، فيما نهاه عنه من أكل الشجرة ، الكفاية من ذكر المرأة ، إذ كان معلوما أن حكمها في ذلك حكمه ، كما قال : " عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ " اجتزىء بمعرفة السامعين معناه ، من ذكر فعل صاحبه .
{ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما } فلا يكونن سببا لإخراجكما ، والمراد نهيهما عن أن يكون بحيث يتسبب الشيطان إلى إخراجهما من الجنة فتشقى وأفرده بإسناد الشقاء إليه بعد إشراكهما في الخروج اكتفاء باستلزام شقائه شقاءها من حيث إنه قيم عليها ومحافظة على الفواصل ، أو لأن المراد بالشقاء التعب في طلب المعاش وذلك وظيفة الرجال . ويؤيده قوله : { إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى }
{ فَقُلْنَا ياآدم إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ }
قصة خلق آدم وسجود الملائكة له وإباء الشيطان من السجود تقدمت في سورة البقرة وسورة الأعراف ، فلنقتصر على بيان ما اختصت به هاته السورة من الأفانين والتراكيب .
فقوله { إن هذا } إشارة إلى الشيطان إشارةً مراداً منها التحقير ، كما حكى الله في سورة الأنبياء ( 36 ) من قول المشركين { أهذا الذي يذكر آلهتكم } ، وفي سورة الأعراف ( 22 ) إن الشيطان لكما عدو عبر عنه باسمه .
وقوله { عدوٌّ لكَ ولِزَوجِكَ } هو كقوله في الأعراف ( 22 ) : { وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين } فذكرت عداوته لهما جملة هنالك وذكرت تفصيلاً هنا ، فابتدىء في ذكر متعلّق عداوته بآدم لأنّ آدم هو منشأ عداوة الشيطان لحسده ، ثم أتّبع بذكر زوجه لأنّ عداوته إياها تبع لعداوته آدم زوجها ، وكانت عداوته متعلّقة بكليهما لاتحاد علّة العداوة ، وهي حسده إياهما على ما وهبهما الله من علم الأسماء الذي هو عنوان الفكر الموصل إلى الهدى وعنوان التعبير عن الضمير الموصل للإرشاد ، وكل ذلك مما يبطل عمل الشيطان ويشق عليه في استهوائهما واستهواء ذريتهما ، ولأنّ الشيطان رأى نفسه أجدر بالتفضيل على آدم فحنق لما أمر بالسجود لآدم .
{ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى }
قوله { فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى } تفريع على الإخبار بعداوة إبليس له ولزوجه : بأن نُهيا نهي تحذير عن أن يتسبب إبليس في خروجهما من الجنة ، لأنّ العدوّ لا يروقه صلاح حال عدوه . ووقع النهي في صورة نهي عن عمل هو من أعمال الشيطان لا مِنْ أعمال آدم كناية عن نهي آدم عن التأثر بوسائل إخراجهما من الجنّة ، كما يقال : لا أعرفنّك تفعل كذا ، كناية عن : لا تفعل ، أي لا تفعل كذا حتى أعرفه منك ، وليس المراد النهي عن أن يبلغ إلى المتكلّم خبر فعل المخاطب .
وأسند ترتب الشقاء إلى آدم خاصة دون زوجه إيجازاً ، لأنّ في شقاء أحد الزوجين شقاء الآخر لتلازمهما في الكون مع الإيماء إلى أنّ شقاء الذكر أصل شقاء المرأة ، مع ما في ذلك من رعاية الفاصلة .