التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{فَقُلۡنَا يَـٰٓـَٔادَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوّٞ لَّكَ وَلِزَوۡجِكَ فَلَا يُخۡرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلۡجَنَّةِ فَتَشۡقَىٰٓ} (117)

ثم حكى - سبحانه - ما قاله لآدم بعد إباء إبليس عن السجود له فقال : { يآءَادَمُ إِنَّ هذا } أى : إبليس { عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ } بسبب حسده لكما وحقده عليكما { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى } أى : فاحذرا أن تطيعاه ، فإن طاعتكما له ستؤدى بكما إلى الخروج من الجنة ، فيترتب على ذلك شقاؤك ، أى : تعبك فى الحصول على مطالب حياتك .

وأسند سبحانه إلى إبليس الإخراج لهما من الجنة ، لأنه هو المتسبب فى ذلك ، عن طريق الوسوسة لهما ، وطاعتهما له فيما حرضهما عليه وهو الأكل من الشجرة ، وعبر عن التعب فى طلب المعيشة بالشقاء ، لأنه بعد خروجه من الجنة سيقوم بحراثة الأرض وفلاحتها وزرعها وريها . . . ثم حصدها . . . ثم إعداد نتاجها للأكل ، وفى كل ذلك ما فيه من شقاء وكد وتعب .

وقال - سبحانه - : { فتشقى } ولم يقل فتشقيا كما قال { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا } لأن الكلام من أول القصة مع آدم وحده : أو لأن شقاء الرجل يدخل فيه شقاء أهله ، كما أن سعادته سعادتهم ، أو لأنه هو الذى يعود عليه التعب إذ هو المكلف بأن يقدم لها ما تحتاجه من مطالب الحياة . كالمسكن والملبس والمطعم والمشرب .

قال القرطبى ما ملخصه : قوله { فتشقى } يعنى أنت وزوجك لأنهما فى استواء العلة واحد ، ولم يقل : فتشقيا لأن المعنى معروف ، وآدم - عليه السلام - هو المخاطب ، وهو المقصود . وأيضا لما كان هو الكاد عليها والكاسب لها كان بالشقاء أخص .

وفى ذلك تعليم لنا أن نفقة الزوجة على الزوج . فمن يومئذ جرت نفقة النساء على الأزواج ، فلما كانت نفقة حواء على آدم ، كانت كذلك نفقات بناتها على بنى آدم بحق الزوجية . .