السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَقُلۡنَا يَـٰٓـَٔادَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوّٞ لَّكَ وَلِزَوۡجِكَ فَلَا يُخۡرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلۡجَنَّةِ فَتَشۡقَىٰٓ} (117)

{ فقلنا } بسبب امتناعه بعد أن حلمنا عليه ولم نعاجله بالعقوبة { يا آدم إنَّ هذا } الشيطان الذي تكبر عليك { عدوّ لك ولزوجك } حوَّاء بالمدّ لأنها منك ، وسبب تلك العداوة من وجوه ؛ الأول : أن إبليس كان حسوداً ، فلما رأى آثار نعم الله في حق آدم حسده ، فصار عدواً له ، الثاني : أن آدم عليه السلام كان شاباً عالماً لقوله تعالى : { وعلم آدم الأسماء كلها } [ البقرة ، 30 ] ، وإبليس كان شيخاً جاهلاً ؛ لأنه أثبت فضيلته بفضيلة أصله ، وذلك جهل ، والشيخ الجاهل أبداً يكون عدواً للشاب العالم ، الثالث : أن إبليس مخلوق من النار ، وآدم مخلوق من الماء والتراب ، فبين أصليهما عداوة ، فثبتت تلك العداوة فإن قيل : لمَ قال تعالى : { فلا يخرجنكما من الجنة } مع أن المخرج لهما منها هو الله تعالى ؟ أجيب بأنه لما كان هو الذي فعل بوسوسته ما ترتب عليه الخروج صح ذلك فإن قيل : لمَ قال تعالى : { فتشقى } أي : فتتعب وتنصب في الدنيا ، ولم يقل : فتشقيا ؟ أجيب بوجهين ؛ أحدهما : أن في ضمن شقاء الرجل وهو قيّم أهله وأميرهم شقاءهم كما أن في ضمن سعادته سعادتهم ، فاختص الكلام بإسناده إليه دونها مع المحافظة على كونه رأس فاصلة ، وعن سفيان بن عيينة قال : لم يقل فتشقيا ؛ لأنها داخلة معه ، فوقع المعنى عليهما جميعاً وعلى أولادهما جميعاً كقوله تعالى : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } [ الطلاق ، 1 ] ، و{ يا أيها النبي لم تحرِّم ما أحل الله لك } [ التحريم ، 1 ] { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } [ التحريم ، 2 ] ، فدخلوا في المعنى معه ، وإنما كلم النبي وحده ، الثاني : أريد بالشقاء التعب في طلب القوت ، وذلك على الرجل دون المرأة ؛ لأن الرجل هو الساعي على زوجته ، روي أنه أهبط إلى آدم ثور أحمر ، فكان يحرث عليه ويمسح العرق عن جبينه ويحتاج بعد الحرث إلى الحصد والطحن والخبز وغير ذلك مما يحتاج إليه ، وعن الحسن قال : عنى به شقاء الدنيا ، فلا تلقى ابن آدم إلا شقياً ناصباً أي : ولو أراد شقاوة الآخرة ما دخل الجنة بعد ذلك .