قوله تعالى : { ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء } يعني الحجارة ، وهي قريات قوم لوط ، وكانت خمس قرى ، فأهلك الله أربعاً منها ، وبقيت واحدة ، وهي أصغرها ، وكان أهلها لا يعملون العمل الخبيث ، { أفلم يكونوا يرونها } إذا مروا بهم في أسفارهم فيعتبروا ويتفكروا ، لأن مدائن قوم لوط كانت على طريقهم عند ممرهم إلى الشام ، { بل كانوا لا يرجون } لا يخافون ، { نشوراً } بعثاً .
والسياق يستعرض هذه الأمثلة ذلك الاستعراض السريع لعرض هذه المصارع المؤثرة . وينهيها بمصرع قوم لوط وهم يمرون عليه في سدوم في رحلة الصيف إلى الشام . وقد أهلكها الله بمطر بركاني من الأبخرة والحجارة فدمرها تدميرا . ويقرر في نهايته أن قلوبهم لا تعتبر ولا تتأثر لأنهم لا ينتظرون البعث ، ولا يرجون لقاء الله فذلك سبب قساوة تلك القلوب . وانطماسها . ومن هذا المعين تنبع تصرفاتهم واعتراضاتهم وسخرياتهم من القرآن ومن الرسول .
وقوله : { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ } يعني : قوم لوط ، وهي سدوم ومعاملتها التي أهلكها الله بالقلب ، وبالمطر الحجارة من سجيل ، كما قال تعالى : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ } [ الشعراء : 173 ]وقال { وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ } [ الصافات : 137 - 138 ] وقال تعالى : { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ } [ الحجر : 76 ] وقال { وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ } [ الحجر : 79 ] ؛ ولهذا قال : { أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا } أي : فيعتبروا بما حَلّ بأهلها من العذاب والنكال بسبب تكذيبهم بالرسول ومخالفتهم أوامر الله .
وقوله : { بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا } يعني : المارين بها من الكفار لا يعتبرون لأنهم لا يرجون نشوراً ، أي : معادًا يوم القيامة .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الّتِيَ أُمْطِرَتْ مَطَرَ السّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } .
يقول تعالى ذكره : ولقد أتى هؤلاء الذين اتخذوا القرآن مهجورا على القرية التي أمطرها الله مطر السوء وهي سدوم ، قرية قوم لوط . ومطر السوء : هو الحجارة التي أمطرها الله عليهم فأهلكهم بها . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج وَلَقَدْ أتَوْا عَلى القَرْيَةِ التي أمْطِرَتْ مَطَر السّوءِ قال : حجارة ، وهي قرية قوم لوط ، واسمها سدوم . قال ابن عباس : خمس قريّات ، فأهلك الله أربعة ، وبقيت الخامسة ، واسمها صعوة . لم تهلك صعوة . كان أهلها لا يعملون ذلك العمل ، وكانت سدوم أعظمها ، وهي التي نزل بها لوط ، ومنها بعث . وكان إبراهيم صلى الله عليه وسلم ينادي نصيحة لهم : يا سدوم ، يوم لكم من الله ، أنهاكم أن تعرّضوا لعقوبة الله ، زعموا أن لوطا ابن أخي إبراهيم صلوات الله عليهما .
وقوله : أفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها يقول جلّ ثناؤه : أو لم يكن هؤلاء المشركون الذين قد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء يرون تلك القرية ، وما نزل بها من عذاب الله بتكذيب أهلها رسلهم ، فيعتبروا ويتذكروا ، فيراجعوا التوبة من كفرهم وتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم بَلْ كَانُوا لا يَرَجُونَ نُشُورا يقول تعالى ذكره : ما كذّبوا محمدا فيما جاءهم به من عند الله ، لأنهم لم يكونوا رأوا ما حلّ بالقرية التي وصفت ، ولكنهم كذّبوه من أجل أنهم قوم لا يخافون نشورا بعد الممات ، يعني أنهم لا يوقنون بالعقاب والثواب ، ولا يؤمنون بقيام الساعة ، فيردعهم ذلك عما يأتون من معاصي الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج أفَلَمْ يكُونُوا يَرَوْنَها ، بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورا : بعثا .
{ ولقد أتوا } يعني قريشا مروا مرارا في متاجرهم إلى الشام . { على القرية التي أمطرت مطر السوء } يعني سدوم عظمى قرى قوم لوط أمطرت لعيها الحجارة . { أفلم يكونوا يرونها } في مرار مرورهم فيتعظوا بما يرون فيها من آثار عذاب الله . { بل كانوا لا يرجون نشورا } بل كانوا كفرة لا يتوقعون نشورا ولا عاقبة فلذلك لم ينظروا ولم يتعظوا فمروا بها كما مرت ركابهم ، أو لا يأملون نشورا كما يأمله المؤمنون طمعا في الثواب ، أو لا يخافونه على اللغة التهامية .