اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ أَتَوۡاْ عَلَى ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلَّتِيٓ أُمۡطِرَتۡ مَطَرَ ٱلسَّوۡءِۚ أَفَلَمۡ يَكُونُواْ يَرَوۡنَهَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَرۡجُونَ نُشُورٗا} (40)

قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القرية التي أُمْطِرَتْ ( مَطَرَ السوء ){[36192]} } الآية . أراد بالقرية قريات لوط ، وكانت خمس قرى ، فأهلك الله منها أربعاً ونجت واحدة ، وهي ( صقر ) {[36193]} كان أهلها لا يعملون العمل الخبيث . يعني أن قريشاً مَرُّوا مُرُوراً كثيراً إلى الشام على تلك القرى ، { التي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السوء } أي : أهلكت بالحجارة من السماء ، { أفلم{[36194]} يكونوا يرونها } في مرورهم وينظروا إلى آثار عذاب الله ونكاله فيعتبروا ويتذكروا{[36195]} .

قوله : «مَطَرَ السَّوْءِ » فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه مصدر على حذف الزوائد أي : أمطار السوء .

الثاني : أنه مفعول ثان ؛ إذ المعنى : أعطيتها وأوليتها مطر السوء .

الثالث : أنه نعت مصدر محذوف ، أي : أمطاراً{[36196]} مثل مطر{[36197]} السوء{[36198]} وقرأ زيد بن عليّ «مُطِرَتْ » ثلاثياً مبنياً ( للمفعول ){[36199]} {[36200]} ، ومطر متعد قال :

كَمَنْ بِوَادِيهِ بَعْدَ المَحْلِ مَمْطُورُ{[36201]} *** . . .

وقرأ أبو السمال «مطر السُّوء » بضم السين{[36202]} ، وتقدم الكلام على السوء والسوء في براءة{[36203]} . وقوله : { أَتَوْا عَلَى القرية } إنما عُدِّي ( أتى ) ب ( على ) ، لأنه ضُمِّن معنى مرَّ .

قوله{[36204]} : { بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } في هذا الرجاء ثلاثة أوجه :

أقواها ما قاله القاضي : وهو أنه محمول على حقيقة الرجاء ؛ لأن الإنسان لا يحتمل متاعب التكليف إلا رجاء ثواب الآخرة ، فإذا لم يؤمن بالآخرة لم يَرْجُ ثوابها فلا يتحمل تلك المشاق .

وثانيها : معناه لا يتوقعون نشورا ، فوضع الرجاء موضع التوقُّع ؛ لأنه إنما يتوقع العاقبة من يؤمن .

وثالثها : معناه : ( لا يخافون ) على اللغة التهامية . وهو ضعيف{[36205]} .


[36192]:مطر السوء: سقط من ب.
[36193]:في ب: صغيره. وهو تحريف.
[36194]:أفلم: سقط من ب.
[36195]:انظر الفخر الرازي 24/84.
[36196]:في ب: أمطار. وهو تحريف.
[36197]:في ب: أمطار. وهو تحريف.
[36198]:انظر التبيان 2/986 – 987.
[36199]:انظر البحر المحيط 6/500.
[36200]:ما بين القوسين سقط من ب.
[36201]:عجز بيت من بحر البسيط، وصدره: إني وإياك إذ حلت بأرحلنا *** ... قاله الفرزدق يمدح يزيد بن عبد الملك، وهو في ديوانه 1/213. الكتاب 2/106، البحر المحيط 6/500، المغني 1/328، شرح شواهده 2/741. المحل: الجدب: الممطور: الذي نزل به المطر. والشاهد فيه قوله: ممطور، فإنه اسم مفعول من مطرته السماء فهو ممطور فالثلاثي متعد. وفيه شاهد آخر: وهو جري (ممطور) على (من) النكرة المبهمة نعتا لها لازما لزوم الصلة.
[36202]:انظر تفسير ابن عطية 11/42، البحر المحيط 6/500 وفيه: وقرأ أبو السماك.
[36203]:يشير إلى قوله تعالى: {عليهم دائرة السوء} [التوبة: 98].
[36204]:في ب: وقوله.
[36205]:انظر الفخر الرازي 24/84.