{ 40 } { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }
يخبر تعالى أنه وحده المنفرد بخلقكم ورزقكم وإماتتكم وإحيائكم ، وأنه ليس أحد من الشركاء التي يدعوهم المشركون من يشارك اللّه في شيء من هذه الأشياء .
فكيف يشركون بمن انفرد بهذه الأمور من ليس له تصرف فيها بوجه من الوجوه ؟ !
فسبحانه وتعالى وتقدس وتنزه وعلا عن شركهم ، فلا يضره ذلك وإنما وبالهم{[1]} عليهم .
ومن زاوية الرزق والكسب يعالج قضية الشرك ، وآثارها في حياتهم وفي حياة من قبلهم ، ويعرض نهاية المشركين من قبل وعاقبتهم التي تشهد بها آثارهم :
( الله الذي خلقكم ، ثم رزقكم ، ثم يميتكم ثم يحييكم . هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ? سبحانه وتعالى عما يشركون . ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون . قل : سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين ) . .
وهو يواجههم بواقع أمرهم وحقائق حالهم التي لا يملكون أن يماروا في أن الله وحده هو موجدها ؛ أو التي لا يملكون أن يزعموا أن لآلهتهم المدعاة مشاركة فيها . يواجههم بأن الله هو الذي خلقهم . وأنه هو الذي رزقهم . وأنه هو يميتهم . وأنه هو يحييهم . فأما الخلق فهم يقرون به . وأما الرزق فهم لا يملكون أن يزعموا أن آلهتهم المدعاة ترزقهم شيئا . وأما الإماتة فلا حجة لهم على غير ما يقرره القرآن فيها . بقي الإحياء وكانوا يمارون في وقوعه . وهو يسوقه إليهم ضمن هذه المسلمات ليقرره في وجدانهم بهذه الوسيلة الفريدة ، التي تخاطب فطرتهم من وراء الانحراف الذي أصابهم . وما تملك الفطرة أن تنكر أمر البعث والإعادة .
ثم يسألهم : ( هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ? )ولا ينتظر جوابا منهم ، فهو سؤال للنفي في صورة التقريع غير محتاج إلى جواب ! إنما يعقب عليه بتنزيه الله : ( سبحانه وتعالى عما يشركون ) .
القول في تأويل قوله تعالى : { اللّهُ الّذِي خَلَقَكُمْ ثُمّ رَزَقَكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَ عَمّا يُشْرِكُونَ } .
يقول تعالى ذكره للمشركين به ، معرّفهم قبح فعلهم ، وخبث صنيعهم : الله أيها القوم الذي لا تصلح العبادة إلاّ له ، ولا ينبغي أن تكون لغيره ، هو الذي خلقكم ولم تكونوا شيئا ، ثم رزقكم وخوّلكم ، ولم تكونوا تملكون قبل ذلك ، ثم هو يميتكم من بعد أن خلقكم أحياء ، ثم يحييكم من بعد مماتكم لبعث القيامة ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : اللّهُ الّذِي خَلَقَكُمْ ثُمّ رَزَقَكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ للبعث بعد الموت .
وقوله : هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ يقول تعالى ذكره : هل من آلهتكم وأوثانكم التي تجعلونهم لله في عبادتكم إياه شركاء من يفعل من ذلكم من شيء ، فيخلق أو يرزق ، أو يميت ، أو ينشر وهذا من الله تقريع لهؤلاء المشركين . وإنما معنى الكلام أن شركاءهم لا تفعل شيئا من ذلك ، فكيف يُعبد من دون الله من لا يفعل شيئا من ذلك ؟ ثم برأ نفسه تعالى ذكره عن الفرية التي افتراها هؤلاء المشركون عليه بزعمهم أن آلهتهم له شركاء ، فقال جلّ ثناؤه سبحانه أي تنزيها لله وتبرئة وَتَعالى يقول : وعلوّا له عَمّا يُشْرِكُونَ يقول : عن شرك هؤلاء المشركين به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ لا والله سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ يسبح نفسه إذ قيل عليه البهتان .
ثم كرر مخاطبة الكفرة في أمر أوثانهم فذكر أفعال الله تعالى التي لا شريك له فيها وهي الخلق والرزق والإماتة والإحياء ولا يمكن أن ينكر ذلك عاقل ، ووقف الكفار على جهة التقرير والتوبيخ هل من شركائهم أي الذين جعلوهم شركاء من يفعل شيئاً من ذلك ، وهذا الترتيب ب { ثم } هو في الآحاد شيئاً بعد شيء ، ومن هنا أدخل الفقهاء الولد مع أبيه في تعقب الأحباس إذا كان اللفظ على أعقابهم ثم على أعقاب أعقابهم ، ثم نزه تعالى نفسه عن مقالتهم في الإشراك ، وقرأ الجمهور «يشركون » بالياء من تحت ، وقرأ الأعمش وابن وثاب بالتاء من فوق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.