لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (40)

قوله جل ذكره : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } .

{ ثُمَّ } حرفٌ يقتضى التراخي ؛ وفي ذلك إشارة إلى أنه ليس من ضرورة خَلْقِه إياك أن يرزقك ؛ كنتَ في ضعف أحوالك ابتداءَ ما خَلَقَكَ ، فأثبتك وأحياك من غير حاجةٍ لك إلى رزقٍ ؛ فإلى أن خرجتَ من بَطْنِ أُمّك : إمَّا أن كان يُغْنِيكَ عن الرزق وأنت جنينٌ في بطن الأم ولم يكن لك أكلٌ ولا شُرْبٌ ، وإمَّا أن كان يعطيك ما يكفيك من الرزق - إنْ حَقَّ ما قالوا : إن الجنينَ يتَغَذَّى بدم الطمث . وإذا أخرجك من بطن أمك رَزَقَكَ على الوجه المعهود في الوقت المعلوم ، فَيَسَّرَ لكَ أسبابَ الأكل والشرب من لَبنِ الأم ، ثم من فنون الطعام ، ثم أرزاق القلوب والسرائر من الإيمان والعرفان وأرزاق التوفيق من الطاعات والعبادات ، وأرزاق للسان من الأذكار وغير ذلك مما جرى ذكره .

{ ثُمَّ يَمِيتُكُمْ } بسقوط شهواتكم ، ويميتكم عن شواهدكم .

{ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } بحياة قلوبكم ثم يحييكم بربِّكم .

ويقال : من الأرزاق ما هو وجود الأرفاق ومنها ما هو شهود الرزاق .

ويقال : لا مُكْنَةُ لك في تبديل خَلْقِكَ ، وكذلك لا قدرةَ لَكَ على تَعَسُّر رزقِك ، فالمُوَسَّعُ عليه رزقُه -بِفَضْلِه سبحانه . . لا بمناقِب نَفْسه ، والمُقَتّرُ عليه رزقُه بحُكْمِه سبحانه . . لا بمعايب نَفْسِه .

{ هَلْ مِن شُرِكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيءٍ } ؛ هل من شركائكم الذين أثبتموهم أي من الأصنام أو توهمتموهمٌّ من جملة الأنام . . مَنْ يفعل شيئاً من ذلك ؟ { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى } تنزيهاُ له وتقديساً .