السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (40)

ولما وضح بهذا أنه لا زيادة إلا فيما يزيده الله ولا تخير إلا فيما يختاره الله بين تعالى ذلك بطريق لا أوضح منه بقوله تعالى : { الله } أي : بعظيم جلاله لا غيره { الذي خلقكم } أي : أوجدكم على ما أنتم عليه من التقدير لا تملكون شيئاً { ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم } أي : ممن أشركتم بالله { من يفعل من ذلكم } مشيراً إلى علوّ رتبته بأداة البعد وخطاب الكل .

ولما كان الاستفهام الإنكاريّ التوبيخي في معنى النفي قال مؤكداً له مستغرقاً لكل ما يمكن منه ولو قلّ جدّاً : { من شيء } أي : يستحق هذا الوصف الذي تطلقونه عليه . ولما لزمهم قطعاً أن يقولوا : لا وعزتك ما لهم ولا لأحد منهم فعل شيء من ذلك ، قال تعالى معرضاً عنهم منزهاً لنفسه الشريفة : { سبحانه } أي : تنزه تنزهاً لا يحيط به الوصف من أن يكون محتاجاً إلى شريك { وتعالى } أي : علوّاً لا تصل إليه العقول { عما يشركون } في أن يفعلوا شيئاً من ذلك .

تنبيه : يجوز في خبر الجلالة الكريمة وجهان : أظهرهما : أنه الموصول بعدها ، والثاني : أنه الجملة من قوله تعالى { هل من شركائكم } والموصول صفة والراجع من ذلكم لأنه بمعنى من أفعاله ، ومن الأولى والثانية يفيدان شيوع الحكم في جنس الشركاء والأفعال ، والثالثة مزيدة لتعميم النفي ، فكل منهما مستقلة بتأكيد لتعجيز الشركاء ، وقرأ حمزة والكسائي بتاء الخطاب ، والباقون بالياء التحتية .