نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (40)

ولما وضح بهذا أنه لا زيادة إلا فيما يزيده الله ، و{[53191]} لا خير إلا فيما يختاره الله ، فكان ذلك مزهداً في زيادة الاعتناء بطلب{[53192]} الدنيا ، بين ذلك بطريق لا أوضح منه فقال : { الله } أي بعظيم جلاله لا غيره { الذي خلقكم } أي أوجدكم على ما أنتم عليه من التقدير لا تملكون شيئاً . ولما كان{[53193]} الرزق موزعاً بين الناس بل هو ضيق{[53194]} على كثرته عن كثير{[53195]} منهم ، فكان رزق من تجدد - لا سيما إن كان{[53196]} ابناً لفقير - مستبعداً ، أشار إليه بأداة البعد فقال : { ثم رزقكم } ولما كانت{[53197]} إماتة المتمكن من بدنه وعقله وقوته وأسباب نبله عجيبة ، نبه عليها بقوله : { ثم يميتكم } ولما كان كل ذلك في الحقيقة عليه هيناً{[53198]} ، وكان الإحياء بعد الإماتة إن لم يكن أهون من الإحياء أول مرة كان مثله وإن استبعدوه قال : { ثم يحييكم } .

ولما استغرق بما ذكر جميع ذواتهم وأحوالهم ، وكان الشريك من قام بشيء من العمل أو{[53199]} المعمول فيه ، وكان من المعلوم أنه ليس لشركائهم في شيء من ذلك نوع صنع ، قال منكراً عليهم : { هل من } ولما كان إشراكهم بما أشركوا لم تظهر له ثمرة إلا في{[53200]} أنهم جعلوا لهم جزءاً من أموالهم ، عبر بقوله : { شركائكم } أي الذين تزعمونهم شركاء { من يفعل من ذلكم } مشيراً إلى علو رتبته بأداة البعد وخطاب الكل . ولما كان الاستفهام الإنكاري التوبيخي في معنى النفي ، قال مؤكداً له مستغرقاً لكل ما يمكن منه ولو قل جداً : { من شيء } أي{[53201]} يستحق هذا الوصف الذي تطلقونه عليه .

ولما لزمهم قطعاً أن يقولوا : لا{[53202]} وعزتك ! ما{[53203]} لهم ولا لأحد منهم في شيء من ذلك من فعل ، أشار إلى عظيم ما ارتكبوه بما أنتجه هذا الدليل ، فقال معرضاً عنهم زيادة في التعظيم والعظمة ، منزهاً لنفسه الشريفة منها على التنزيه ببعد رتبته الشماء من حالهم : { سبحانه } أي تنزه تنزهاً لا يحيط به الوصف من أن يكون محتاجاً إلى شريك ، فإن ذلك نقص عظيم . ولما كان من أخبر بأنه فعل شيئاً أو يفعله كالإماتة والإحياء بالبعث وغيره لا يحول بينه {[53204]}وبينه{[53205]} المقاوم من شريك ونحوه ، قال{[53206]} : { وتعالى } أي علواً لا تصل إليه العقول ، كما دلت عليه صيغة التفاعل ، وجرت قراءة حمزة والكسائي بالخطاب على الأسلوب الماضي{[53207]} ، وأذنت قراءة الباقين{[53208]} بالغيب {[53209]}بالإعراض للغضب في{[53210]} قوله معبراً بالمضارع إشارة إلى أن العاقل من شأنه أنه{[53211]} لا يقع منه شرك{[53212]} أصلاً ، فكيف إذا كان على سبيل التجدد والاستمرار : { عما يشركون* } في أن يفعلوا شيئاً من ذلك أو{[53213]} يقدروا بنوع من أنواع القدرة على أن يحولوا بينه وبين شيء مما يريد ليستحقوا بذلك أن يعظموا نوع تعظيم ، فنزهوه وعظموه بالبراءة من كل معبود سواه .


[53191]:سقط من ظ.
[53192]:في ظ ومد: الطلب.
[53193]:زيد في الأصل: التقدير، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[53194]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: صيف.
[53195]:زيد في ظ: كانت من إماتة المتمكن من بدنه وعقله وقوته.
[53196]:زيد في الأصل: من، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[53197]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: كان.
[53198]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: هنا.
[53199]:سقط من ظ.
[53200]:سقط من ظ.
[53201]:زيد من ظ وم ومد.
[53202]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: إلا.
[53203]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لا.
[53204]:ليس في ظ.
[53205]:ليس في ظ.
[53206]:زيد من ظ ومد.
[53207]:سقط من م.
[53208]:راجع نثر المرجان 5/301 و302.
[53209]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[53210]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[53211]:من م ومد، وفي الأصل وظ: أن.
[53212]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: شربي.
[53213]:من ظ وم ومد وفي الأصل "و".