الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (40)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{الله الذي خلقكم} ولم تكونوا شيئا {ثم رزقكم ثم يميتكم} عند آجالكم {ثم يحييكم} في الآخرة {هل من شركائكم} مع الله...

{من يفعل من ذلكم} مما ذكر في هذه الآية من الخلق والرزق والبعث بعد الموت من يفعل من ذلكم {من شيء}، ثم نزه نفسه جل جلاله عن الشركة، فقال: {سبحانه وتعالى} يعني وارتفع {عما يشركون}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره للمشركين به، معرّفهم قبح فعلهم، وخبث صنيعهم:"الله" أيها القوم الذي لا تصلح العبادة إلاّ له، ولا ينبغي أن تكون لغيره، هو الذي خلقكم ولم تكونوا شيئا، ثم رزقكم وخوّلكم، ولم تكونوا تملكون قبل ذلك، ثم هو يميتكم من بعد أن خلقكم أحياء، ثم يحييكم من بعد مماتكم لبعث القيامة...

وقوله: "هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ "يقول تعالى ذكره: هل من آلهتكم وأوثانكم التي تجعلونهم لله في عبادتكم إياه شركاء من يفعل من ذلكم من شيء، فيخلق أو يرزق، أو يميت، أو ينشر وهذا من الله تقريع لهؤلاء المشركين. وإنما معنى الكلام أن شركاءهم لا تفعل شيئا من ذلك، فكيف يُعبد من دون الله من لا يفعل شيئا من ذلك؟ ثم برأ نفسه تعالى ذكره عن الفرية التي افتراها هؤلاء المشركون عليه بزعمهم أن آلهتهم له شركاء، فقال جلّ ثناؤه: "سبحانه" أي تنزيها لله وتبرئة "وَتَعالى" يقول: وعلوّا له "عَمّا يُشْرِكُونَ" يقول: عن شرك هؤلاء المشركين به.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{سبحانه} حرف تنزيه عن جميع العيوب. والتعالي هو وصف تبرئة من أن يغلبه شيء، أو يقهره؛ هو من العلو...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم كرر مخاطبة الكفرة في أمر أوثانهم فذكر أفعال الله تعالى التي لا شريك له فيها وهي الخلق والرزق والإماتة والإحياء ولا يمكن أن ينكر ذلك عاقل، ووقف الكفار على جهة التقرير والتوبيخ هل من شركائهم أي الذين جعلوهم شركاء من يفعل شيئاً من ذلك، وهذا الترتيب ب {ثم} هو في الآحاد شيئاً بعد شيء... ثم نزه تعالى نفسه عن مقالتهم في الإشراك...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما وضح بهذا أنه لا زيادة إلا فيما يزيده الله، و لا خير إلا فيما يختاره الله، فكان ذلك مزهداً في زيادة الاعتناء بطلب الدنيا، بين ذلك بطريق لا أوضح منه فقال: {الله} أي بعظيم جلاله لا غيره {الذي خلقكم} أي أوجدكم على ما أنتم عليه من التقدير لا تملكون شيئاً. ولما كان الرزق موزعاً بين الناس بل هو ضيق على كثرته عن كثير منهم، فكان رزق من تجدد -لا سيما إن كان ابناً لفقير- مستبعداً، أشار إليه بأداة البعد فقال: {ثم رزقكم} ولما كانت إماتة المتمكن من بدنه وعقله وقوته وأسباب نبله عجيبة، نبه عليها بقوله: {ثم يميتكم} ولما كان كل ذلك في الحقيقة عليه هيناً، وكان الإحياء بعد الإماتة إن لم يكن أهون من الإحياء أول مرة كان مثله وإن استبعدوه قال: {ثم يحييكم}.

ولما استغرق بما ذكر جميع ذواتهم وأحوالهم، وكان الشريك من قام بشيء من العمل أو المعمول فيه، وكان من المعلوم أنه ليس لشركائهم في شيء من ذلك نوع صنع، قال منكراً عليهم: {هل من} ولما كان إشراكهم بما أشركوا لم تظهر له ثمرة إلا في أنهم جعلوا لهم جزءاً من أموالهم، عبر بقوله: {شركائكم} أي الذين تزعمونهم شركاء {من يفعل من ذلكم} مشيراً إلى علو رتبته بأداة البعد وخطاب الكل. ولما كان الاستفهام الإنكاري التوبيخي في معنى النفي، قال مؤكداً له مستغرقاً لكل ما يمكن منه ولو قل جداً: {من شيء} أي يستحق هذا الوصف الذي تطلقونه عليه.

ولما لزمهم قطعاً أن يقولوا: لا وعزتك! ما لهم ولا لأحد منهم في شيء من ذلك من فعل، أشار إلى عظيم ما ارتكبوه بما أنتجه هذا الدليل، فقال معرضاً عنهم زيادة في التعظيم والعظمة، منزهاً لنفسه الشريفة منها على التنزيه ببعد رتبته الشماء من حالهم: {سبحانه} أي تنزه تنزهاً لا يحيط به الوصف من أن يكون محتاجاً إلى شريك، فإن ذلك نقص عظيم. ولما كان من أخبر بأنه فعل شيئاً أو يفعله كالإماتة والإحياء بالبعث وغيره لا يحول بينه وبينه المقاوم من شريك ونحوه، قال: {وتعالى} أي علواً لا تصل إليه العقول، كما دلت عليه صيغة التفاعل، وجرت قراءة حمزة والكسائي بالخطاب على الأسلوب الماضي، وأذنت قراءة الباقين بالغيب بالإعراض للغضب في قوله معبراً بالمضارع إشارة إلى أن العاقل من شأنه أنه لا يقع منه شرك أصلاً، فكيف إذا كان على سبيل التجدد والاستمرار: {عما يشركون} في أن يفعلوا شيئاً من ذلك أو يقدروا بنوع من أنواع القدرة على أن يحولوا بينه وبين شيء مما يريد ليستحقوا بذلك أن يعظموا نوع تعظيم، فنزهوه وعظموه بالبراءة من كل معبود سواه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ومن زاوية الرزق والكسب يعالج قضية الشرك، وآثارها في حياتهم وفي حياة من قبلهم...وهو يواجههم بواقع أمرهم وحقائق حالهم التي لا يملكون أن يماروا في أن الله وحده هو موجدها؛ أو التي لا يملكون أن يزعموا أن لآلهتهم المدعاة مشاركة فيها. يواجههم بأن الله هو الذي خلقهم. وأنه هو الذي رزقهم. وأنه هو يميتهم. وأنه هو يحييهم. فأما الخلق فهم يقرون به. وأما الرزق فهم لا يملكون أن يزعموا أن آلهتهم المدعاة ترزقهم شيئا. وأما الإماتة فلا حجة لهم على غير ما يقرره القرآن فيها. بقي الإحياء وكانوا يمارون في وقوعه. وهو يسوقه إليهم ضمن هذه المسلمات ليقرره في وجدانهم بهذه الوسيلة الفريدة، التي تخاطب فطرتهم من وراء الانحراف الذي أصابهم. وما تملك الفطرة أن تنكر أمر البعث والإعادة. ثم يسألهم: (هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء؟) ولا ينتظر جوابا منهم، فهو سؤال للنفي في صورة التقريع غير محتاج إلى جواب! إنما يعقب عليه بتنزيه الله: (سبحانه وتعالى عما يشركون)...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

ولتذكير الأشحاء والبخلاء من الأغنياء، المقصرين في أداء حقوق المعوزين والفقراء، بأنهم مدينون لله سبحانه بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد، قال تعالى: {الله الذي خلقكم ثم رزقكم، ثم يميتكم ثم يحييكم}، فالخلق كله من صنع الله، والرزق كله من عند الله، والحياة والموت بيد الله، وما على الإنسان إذا كان عاقلا إلا أن يتذكر هذه الحقائق البديهية، ويستخلص نتائجها الحتمية.