الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (40)

قوله : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ } : يجوز في خبر الجلالة وجهان ، أظهرهما : أنه الموصولُ بعدها . الثاني : أنه الجملةُ مِنْ قولِه { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ } والموصولُ صفةٌ للجلالة . وقَدَّر الزمخشري الرابطَ بين المبتدأ والجملةِ الواقعةِ خبراً فقال : " وقوله : " مِنْ ذلكم " هو الذي رَبَط الجملةَ بالمبتدأ ؛ لأنَّ معناه مِنْ أفعاله " . قال الشيخ : " والذي ذكره النحويون أنَّ اسمَ الإِشارةِ يكون رابطاً إذا أُشيرَ به إلى المبتدأ ، وأمَّا " ذلك " هنا فليس إشارةً إلى المبتدأ لكنه شبيهٌ بما أجازه الفراءُ مِن الربطِ بالمعنى ، وخالفه الناسُ ، وذلك في قوله : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ }

[ البقرة : 234 ] قال : " التقدير : يتربَّصُ أزواجُهم " . فقدر الرَّبْط بمضافٍ إلى ضميرِ الذين فحصل به الربطُ ، كذلك قدَّر الزمخشريُّ " من ذلكم " : " مِنْ أفعالِه " بمضافٍ إلى الضميرِ العائد إلى المبتدأ " .

قوله : " مِنْ شركائِكم " خبرٌ مقدمٌ و " مِنْ " للتبعيض . و " مَنْ يَفْعَلُ " هو المبتدأ و " مِنْ ذلكم " متعلِّقٌ بمحذوفٍ لأنه حالٌ مِنْ " شيء " بعده ؛ فإنَّه في الأصل صفةٌ له . و " مِنْ " الثالثةُ مزيدةٌ في المفعولِ به ؛ لأنه في حَيِّزِ النفي المستفادِ من الاستفهام . والتقدير : ما الذي يَفْعَلُ شيئاً مِنْ ذلكم مِنْ شركائكم . وقال الزمخشري : " ومِنْ الأولى والثانية كلُّ واحدةٍ مستقلةٌ بتأكيدٍ لتعجيز شركائِهم وتجهيل عَبَدَتهم " . قال الشيخ : " ولا أَدْري ما أراد بهذا الكلام ؟ "

وقرأ الأعمش " تُشْرِكون " خطاباً .