ثم قال تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }
أي : من يدين لله بغير دين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده ، فعمله مردود غير مقبول ، لأن دين الإسلام هو المتضمن للاستسلام لله ، إخلاصا وانقيادا لرسله فما لم يأت به العبد لم يأت بسبب النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه ، وكل دين سواه فباطل .
وهي لفتة ذات قيمة قبل التقرير الشامل الدقيق الأكيد :
( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ، وهو في الآخرة من الخاسرين ) . .
إنه لا سبيل - مع هذه النصوص المتلاحقة - لتأويل حقيقة الإسلام ، ولا للي النصوص وتحريفها عن مواضعها لتعريف الإسلام بغير ما عرفه به الله ، الإسلام الذي يدين به الكون كله . في صورة خضوع للنظام الذي قرره الله له ودبره به .
ولن يكون الإسلام إذن هو النطق بالشهادتين ، دون أن يتبع شهادة أن لا إله إلا الله معناها وحقيقتها . وهي توحيد الألوهية وتوحيد القوامة . ثم توحيد العبودية وتوحيد الاتجاه . ودون أن يتبع شهادة أن محمدا رسول الله معناها وحقيقتها . وهي التقيد بالمنهج الذي جاء به من عند ربه للحياة ، واتباع الشريعة التي أرسله بها ، والتحاكم إلى الكتاب الذي حمله إلى العباد .
ولن يكون الإسلام إذن تصديقا بالقلب بحقيقة الألوهية والغيب والقيامة وكتب الله ورسله . . دون أن يتبع هذا التصديق مدلوله العملي ، وحقيقته الواقعية التي أسلفنا . .
ولن يكون الإسلام شعائر وعبادات ، أو إشراقات وسبحات ، أو تهذيبا خلقيا وإرشادا روحيا . . دون أن يتبع هذا كله آثاره العملية ممثلة في منهج للحياة موصول بالله الذي تتوجه إليه القلوب بالعبادات والشعائر ، والإشراقات والسبحات ، والذي تستشعر القلوب تقواه فتتهذب وترشد . . فإن هذا كله يبقى معطلا لا أثر له في حياة البشر ما لم تنصب آثاره في نظام اجتماعي يعيش الناس في إطاره النظيف الوضيء .
{ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : ومن يطلب دينا غير دين الإسلام ليدين به ، فلن يقبل الله منه ، { وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ } ، يقول : من الباخسين أنفسهم حظوظها من رحمة الله عزّ وجلّ . وذُكر أن أهل كل ملة ادّعوا أنهم هم المسلمون لما نزلت هذه الآية ، فأمرهم الله بالحجّ إن كانوا صادقين ، لأن من سنة الإسلام الحجّ ، فامتنعوا ، فأدحض الله بذلك حجتهم . ذكر الخبر بذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، قال : زعم عكرمة : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلاَمِ دِينا } فقالت الملل : نحن المسلمون ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَلِلّهِ على النّاسِ حِجّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنّ اللّهَ غَنِيّ عَنِ العالَمِينَ } فحجّ المسلمون ، وقعد الكفار .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا القعنبي ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن عكرمة ، قال : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلاَمِ دِينا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } قالت اليهود : فنحن المسلمون ، فأنزل الله عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه وسلم يحجّهم أن { لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنّ اللّهَ غَنِيّ عَنِ العَالَمِينَ } .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن عكرمة ، قال : لما نزلت : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينا } . . . إلى آخر الآية ، قالت اليهود : فنحن مسلمون ، قال الله عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم : إن { لِلّهِ على النّاسِ حِجّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ } من أهل الملل { فَإِنّ اللّهَ غَنِيّ عَنِ العَالَمِينَ } .
حدثنا به المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالنّصَارَى وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ } إلى قوله : { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } فأنزل الله عزّ وجلّ بعد هذا : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلاَمِ دِينا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } .
{ ومن يبتغ غير الإسلام دينا } أي غير التوحيد والانقياد لحكم الله . { فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } الواقعين في الخسران ، والمعنى أن المعرض عن الإسلام والطالب لغيره فاقد للنفع واقع في الخسران بإبطال الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها ، واستدل به على أن الإيمان هو الإسلام إذ لو كان غيره لم يقبل . والجواب إنه ينفي قبول كل دين يغايره لا قبول كل ما يغايره ، ولعل الدين أيضا للأعمال .
عطف على جملة { أفغير دين الله يبغون } وما بينهما اعتراض ، كما علمت ، وهذا تأييس لأهل الكتاب من النجاة في الآخرة ، وردّ لقولهم : نحن على ملة إبراهيم ، فنحن ناجون على كلّ حال . والمعنى من يبتغ غير الإسلام بعد مجيء الإسلام . وقرأه الجميع بإظهار حرفي الغين من كلمة { من يبتغ } وكلمة { غير } وروى السُوسي عن أبي عمرو إدغام إحداهما في الأخرى وهو الإدغام الكبير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.