الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (85)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

ومن يطلب دينا غير دين الإسلام ليدين به، فلن يقبل الله منه. {وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ}: من الباخسين أنفسهم حظوظها من رحمة الله عزّ وجلّ. وذُكر أن أهل كل ملة ادّعوا أنهم هم المسلمون لما نزلت هذه الآية، فأمرهم الله بالحجّ إن كانوا صادقين، لأن من سنة الإسلام الحجّ، فامتنعوا، فأدحض الله بذلك حجتهم. وقال آخرون: عن ابن عباس، قوله: {إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالنّصَارَى وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ} إلى قوله: {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} فأنزل الله عزّ وجلّ بعد هذا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلاَمِ دِينا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

ويقال مَنْ لم يَمْشِ تحت راية المصطفى صلى الله عليه وسلم المُعظَّم في قَدْره، المُعَلَّى في وصفه، لم يُقْبَلْ منه شيء ولا ذرة.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم حكم تعالى في قوله: {ومن يبتغ...} بأنه لا يقبل من آدمي ديناً غير دين الإسلام، وهو الذي وافق في معتقداته دين كل من سمي من الأنبياء، وهو الحنيفية السمحة.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

القبول للعمل هو أن يرضى الله ذلك العمل، ويرضى عن فاعله ويثيبه عليه،... والخسران في الآخرة يكون بحرمان الثواب، وحصول العقاب، ويدخل فيه ما يلحقه من التأسف والتحسر على ما فاته في الدنيا من العمل الصالح وعلى ما تحمله من التعب والمشقة في الدنيا في تقريره ذلك الدين الباطل.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما أمر سبحانه وتعالى بإظهار الإيمان بهذا القول، وكان ذلك هو الإذعان الذي هو الإسلام قال -محذراً من الردة عنه عاطفاً على {آمنا} ومظهراً لما من حقه الإضمار لولا إرادة التنبيه على ذلك مشيراً بصيغة الافتعال إلى مخالفة الفطرة الأولى -: {ومن يبتغ} أي يتطلب {غير} دين {الإسلام} الذي هو ما ذكر من الانقياد لله سبحانه وتعالى المشتمل على الشرائع المعروفة التي أساسها الإيمان بعد التلبس به حقيقة بإظهار اتباع الرسل أو مجازاً بالكون على الفطرة الأولى بما أشعر به الابتغاء- كما تقدم، وكرر الإسلام في هذا السياق كثيراً لكونه في حيز الميثاق المأخوذ بمتابعة الرسول المصدق حثاً على تمام الانقياد له {ديناً} وأتى بالفاء الرابطة إعلاماً بأن ما بعدها مسبب عما قبلها ومربوط به فقال: {فلن يقبل منه} أي في الدنيا، وأشعر ترتيب هذا على السبب بأنه يرجى زوال السبب لأنه مما عرض للعبد كما جرى في الردة في خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه، فإنه رجع إلى الإسلام أكثر المرتدين وحسن إسلامهم. وقوله: {وهو في الآخرة من الخاسرين} معناه: ولا يقبل منهم في الآخرة، مع زيادة التصريح بالخسارة -وهي حرمان الثواب- المنافية لمقاصدهم. والقصد الأعظم بهذا أهل الكتاب مع العموم لغيرهم لإقرارهم بهذا النبي الكريم وتوقعهم له، عالمين قطعاً بصدقه لما في كتبهم من البشارة به.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} لأن الدين إذا لم يكن هو الإسلام الذي بينا معناه آنفا فما هو إلا رسوم وتقاليد يتخذها القوم رابطة للجنسية، وآلة للعصبية، ووسيلة للمنافع الدنيوية، وذلك ما يزيد القلوب فسادا، والأرواح إظلاما، فلا يزيد الناس في الدنيا إلا عدوانا، وفي الآخرة إلا خسرانا، ولذلك قال: {وهو في الآخرة من الخاسرين} أي أنه يكون هنالك خاسرا للنعيم المقيم، في جوار الرب الرحيم، لأنه خسر نفسه إذ لم يزكيها بالإسلام لله، وإخلاص السريرة له جل علاه: {هل ينظرون إلا تأويله، يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل؟ قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون} [الأعراف: 53] في الدين ويزعمون أنه مناط النجاة ووسيلة الفوز والسعادة إذ يهوون أن يسعدوا بغيرهم من الأنبياء والأولياء، وإن خسروا أنفسهم بسلوك سبل الشقاء: {قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه. قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين} [الزمر: 14- 15] ولم أر أحدا من المفسرين نبه في هذا المقام على أن الأصل في خسران الآخرة هو خسران النفس، ولا نبه إليه الأستاذ الإمام، بل لم يقل في هذه الآية شيئا لظهور معناها.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هي لفتة ذات قيمة قبل التقرير الشامل الدقيق الأكيد:

(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين)..

إنه لا سبيل -مع هذه النصوص المتلاحقة- لتأويل حقيقة الإسلام، ولا للي النصوص وتحريفها عن مواضعها لتعريف الإسلام بغير ما عرفه به الله، الإسلام الذي يدين به الكون كله. في صورة خضوع للنظام الذي قرره الله له ودبره به.

ولن يكون الإسلام إذن هو النطق بالشهادتين، دون أن يتبع شهادة أن لا إله إلا الله معناها وحقيقتها. وهي توحيد الألوهية وتوحيد القوامة. ثم توحيد العبودية وتوحيد الاتجاه. ودون أن يتبع شهادة أن محمدا رسول الله معناها وحقيقتها. وهي التقيد بالمنهج الذي جاء به من عند ربه للحياة، واتباع الشريعة التي أرسله بها، والتحاكم إلى الكتاب الذي حمله إلى العباد.

ولن يكون الإسلام إذن تصديقا بالقلب بحقيقة الألوهية والغيب والقيامة وكتب الله ورسله.. دون أن يتبع هذا التصديق مدلوله العملي، وحقيقته الواقعية التي أسلفنا..

ولن يكون الإسلام شعائر وعبادات، أو إشراقات وسبحات، أو تهذيبا خلقيا وإرشادا روحيا.. دون أن يتبع هذا كله آثاره العملية ممثلة في منهج للحياة موصول بالله الذي تتوجه إليه القلوب بالعبادات والشعائر، والإشراقات والسبحات، والذي تستشعر القلوب تقواه فتتهذب وترشد.. فإن هذا كله يبقى معطلا لا أثر له في حياة البشر ما لم تنصب آثاره في نظام اجتماعي يعيش الناس في إطاره النظيف الوضيء.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وهذا تأييس لأهل الكتاب من النجاة في الآخرة، وردّ لقولهم: نحن على ملة إبراهيم، فنحن ناجون على كلّ حال. والمعنى من يبتغ غير الإسلام بعد مجيء الإسلام...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

قد يكون من الضروري لنا أن لا نستغرق في المجالات في طرح الحقائق الدينية في حركة العقيدة، كما يفعل البعض عندما يطرحون وحدة الديانات لتبرير الانحراف البارز في بعض الرسالات، ولتمييع المواقف الفكرية التي تريد أن تضع القضايا في مواقعها الحقيقية؛ بل الأولى بنا أن نطرح الموضوع من خلال الأسلوب القرآني الذي يجمع للإنسان الإيمان كلّه في مستوى الرسالات المترابطة التي لا تنفصل حقائقها ولا تختلف إلاَّ بحسب اختلاف طبيعة المرحلة، وفي مستوى الرسل الذين يصدق بعضهم ببعض، ويدعو كلّ واحدٍ منهم أمته للإيمان بالبعض الآخر وعدم التفريق بينه وبينهم... فذلك هو ما نؤمن به وندعو له، وندفع الحوار نحو الوصول للقناعة المشتركة على أساس ذلك...