العامة يظهرون هذين المثلين في { يَبْتَغِ غَيْرَ } لأن بينهُمَا فاصلاً فلم يلتقيا في الحقيقةِ ، وذلك الفاصل هو الياء التي حذفت للجزم .
وروي عن أبي عمرو فيها الوجهان :
الإظهار على الأصل ، ولمراعاة الفاصل الأصْلِيّ .
والإدغام ؛ مراعاةً للفظ ؛ إذ يَصْدُق أنهما التقيا في الجملة ، ولأن ذلك مستحِقّ الحَذْف لعامل الجَزْم .
وليس هذا مخصوصاً بهذه الآية ، بل كل ما التقى فيه مِثْلاَنِ بسبب حذف حرف لعلةٍ اقتضت ذلك جَرَى فيها الوجهان ، نحو : { يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ } [ يوسف : 9 ] وقوله : { وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ } [ غافر : 28 ] .
وقد استشكل على هذا نحو { وَيَقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ } [ غافر : 41 ] ونحو :
{ وَيَقَوْمِ مَن يَنصُرُنِي } [ هود : 30 ] فإنه لم يُرْوَ عن أبي عمرو خلاف في إدغامها ، وكان القياس يقتضي جواز الوجهين ، لأن ياء المتكلم فاصلة تقديراً .
قوله : " دِيناً " فيه ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أنه مفعول " يَبْتَغِ " و " غَيْرَ الإسْلاَمِ " حالٌ ؛ لأنها في الأصل صفةٌ له ، فلما قُدِّمَتْ نُصِبَت حالاً .
الثاني : أن يكون تمييزاً لِ " غَيْرَ " لإبهامها ، فمُيِّزَتْ كما مُيِّزت " مِثْلُ " و " شِبهُ " وأخواتهما ، وسُمِع من العرب : إن لنا غيرَها إبلاً وشاءً .
والثالث : أن يكون بدلاً من " غَيْرَ " . وعلى هذين الوجهين ف { غَيْرَ الإِسْلاَمِ } هو المفعول به ل " يبتغ " .
وقوله : { وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } يجوز أن لا يكون لهذه الجملة محلٌّ ؛ لاستئنافها ، ويجوز أن تكون في محل جَزْم ؛ نَسَقاً على جواب الشرط - وهو { فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } - ويكون قد ترتب على ابتغاء غير الإسلام ديناً الخُسران وعدمُ القبول .
لما تقدم قوله تعالى : { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [ آل عمران : 84 ] بيَّن أن الدينَ ليس إلا الإسلام ، وأن كل دين غيره ليس بمقبولٍ ؛ لأن معنى قبول العمل أن يرضى اللهُ ذلك العملَ ، ويثيب فاعله عليه ، قال تعالى { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [ المائدة : 27 ] وما لم يكن مقبولاً كان صاحبُه من الخاسرين في الآخرة بحرمان الثواب ، وحصول العقاب ، مع الندامة على ما فاته من العمل الصالح ، مع التعب والمشقة في الدنيا في ذلك الدين الباطل .
قال المفسرون : نزلت هذه الآيةُ في اثني عشر رجلاً ارتدُّوا عن الإسلام ، وخرجوا من المدينة ، وأتوا مكةَ كُفَّاراً منهم الحَرْث بن سُوَيْد الأنصاريُّ ، فنزل قول الله تعالى : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } والخُسْران في الآخرة يكونُ بحرمانِ الثَّوابِ ، وحصول العقاب ، والتأسُّف على ما فاته في الدنيا من العملِ الصالحِ ، والتحسُّر على ما تحمَّلَه من التعب والمشقة في تقرير دينه الباطلِ .
وظاهر هذه الآية يدل على أن الإيمان هو الإسلام ؛ إذْ لو كان غيره لوجب أن لا يكون الإيمان مقبولاً ؛ لقوله تعالى : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } إلا أن ظاهر قوله تعالى : { قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } [ الحجرات : 14 ] يقتضي التغاير بينهما ، ووجه التوفيق بينهما أن تُحْمل الآية الأولى على العُرْف الشرعيّ ، والآية الثانية على الموضع اللغويّ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.