المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (65)

65- ألا تنظر - أيها العاقل - إلى مظاهر قدرة اللَّه فتراه ييسر للناس جميعاً الانتفاع بالأرض وما فيها ، وهيَّأ لهم البحر تسير فيه السفن بمشيئته ، وأمسك الكواكب في الفضاء بقدرته حتى لا يختل نظامها ، أو تقع على الأرض إلا إذا اقتضت إرادته ذلك ، إن اللَّه سبحانه شديد الرأفة والرحمة بعباده فيهيئ كل سبل الحياة الطيبة لهم ، كيف بعد ذلك كله لا يخلصون في شكره وعبادته ؟ {[136]} .


[136]:تعليق الخبراء على الآية 65: {ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض، والفلك تجري في البحر بأمره، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، إن الله بالناس لرءوف رحيم}: تتضمن هذه الآية الكريمة معاني علمية دقيقة، فالسماء ـ وهي كل ما علانا ـ تبدأ بغلاف الأرض الهوائي، فالفضاء، فأجرام السماء المشع منها لذاته مثل النجوم والمجموعات النجمية والسدم، والمجرات، وغير المشع لذاته كالأقمار، والكواكب والمذنبات، والنيازك، والجزئيات، والذرات، والغبار الكوني. جميع هذه العوالم تحتفظ بكيانها وتماسكها تحت تأثير عدة قوى، أهمها الجاذبية والقوى الناشئة عن الحركة. ولقد تجلت مشيئة الله ورأفته بالعباد بأن هيأ غلافا جويا يحتوي على العناصر الغازية التي لا غني للحياة عنها، كما أنه يحمي سكان الأرض من الإشعاعات الكونية، وأسراب الشهب والنيازك التي تهيم في الفضاء والتي عندما تنمو من الأرض تحترق في جوها العلوي قبل أن تصل إلى السطح. ومن إرادته تعالى ورحمته أن سقوط النيازك التي تدمر سطح الأرض نادر الحدوث جدا، وهو يتم في الأماكن الخالية من السكان، وهذه الظاهرة تدل على عناية الله تعالى ورحمته بعباده، وفي هذا تأييد وتصديق لقوله تعالى: {ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم}.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (65)

قوله تعالى : { ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك } أي : وسخر لكم الفلك ، { تجري في البحر بأمره } وقيل : ما في الأرض الدواب تركب في البر ، والفلك التي تركب في البحر ، { ويمسك السماء أن تقع على الأرض } لكيلا تسقط على الأرض { إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم* } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (65)

{ 65 - 66 } { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ }

أي : ألم تشاهد ببصرك وقلبك نعمة ربك السابغة ، وأياديه الواسعة ، و { أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ } من حيوانات ، ونبات ، وجمادات ، فجميع ما في الأرض ، مسخر لبني آدم ، حيواناتها ، لركوبه ، وحمله ، وأعماله ، وأكله ، وأنواع انتفاعه ، وأشجارها ، وثمارها ، يقتاتها ، وقد سلط على غرسها واستغلالها ، ومعادنها ، يستخرجها ، وينتفع بها ، { وَالْفُلْكِ } أي : وسخر لكم الفلك ، وهي السفن { تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } تحملكم ، وتحمل تجاراتكم ، وتوصلكم من محل إلى محل ، وتستخرجون من البحر حلية تلبسونها ، ومن رحمته بكم أنه { يمسك السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ } فلولا رحمته وقدرته ، لسقطت السماء على الأرض ، فتلف ما عليها ، وهلك من فيها { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }

{ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } أرحم بهم من والديهم ، ومن أنفسهم ، ولهذا يريد لهم الخير ، ويريدون لها الشر والضر ، ومن رحمته ، أن سخر لهم ما سخر من هذه الأشياء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (65)

58

ويستطرد السياق مرة أخرى إلى استعراض دلائل القدرة المعروضة للناس في كل حين :

( ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض ، والفلك تجري في البحر بأمره . ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه . إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) . .

وفي هذه الأرض كم من قوة وكم من ثروة سخرها الله لهذا الإنسان ؛ وهو غافل عن يد الله ونعمته التي يتقلب فيها بالليل والنهار !

لقد سخر الله ما في الأرض لهذا الإنسان ، فجعل نواميسها موافقة لفطرته وطاقاته . ولو اختلفت فطرة الإنسان وتركيبه عن نواميس هذه الأرض ما استطاع الحياة عليها ، فضلا على الانتفاع بها وبما فيها . . لو اختلف تركيبه الجسدي عن الدرجة التي يحتمل فيها جو هذه الأرض ، واستنشاق هوائها ، والتغذي بطعامها والارتواء بمائها لما عاش لحظة . ولو اختلفت كثافة بدنه أو كثافة الأرض عما هي عليه ما استقرت قدماه على الأرض ، ولطار في الهواء أو غاص في الثرى . . ولو خلا وجه هذه الأرض من الهواء أو كان هذا الهواء أكثف مما هو أو أخف لاختنق هذا الإنسان أو لعجز عن استنشاق الهواء مادة الحياة ! فتوافق نواميس هذه الأرض وفطرة هذا الإنسان هو الذي سخر الأرض وما فيها لهذا الإنسان . وهو من أمر الله .

ولقد سخر الله له ما في الأرض مما وهبه من طاقات وإدراكات صالحة لاستغلال ثروات هذه الأرض ، وما أودعه الله إياها من ثروات وطاقات ظاهرة وكامنة ؛ يكشف منها الإنسان واحدة بعد واحدة - وكلما احتاج إلى ثروة جديدة فض كنوزا جديدة . وكلما خشي أن ينفذ رصيده من تلك الكنوز تكشف له منها رصيد جديد . . وها هو ذا اليوم لم يستنفد بعد ثروة البترول وسائر الفلزات ثم فتح له كنز الطاقة الذرية والطاقة الإيدروجينية . وإن يكن بعد كالطفل يعبث بالنار فيحرق نفسه بها ويحرق سواه ، إلا حين يهتدي بمنهج الله في الحياة ، فيوجه طاقاتها وثرواتها إلى العمران والبناء ، ويقوم بالخلافة في الأرض كما أرادها الله !

( والفلك تجري في البحر بأمره ) . . فهو الذي خلق النواميس التي تسمح بجريان الفلك في البحر . وعلم الإنسان كيف يهتدي إلى هذه النواميس ، فيسخرها لمصلحته وينتفع بها هذا الانتفاع . ولو اختلفت طبيعة البحر أو طبيعة الفلك . أو لو اختلفت مدارك هذا الإنسان . . ما كان شيء من هذا الذي كان !

( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ) . . وهو الذي خلق الكون وفق هذا النظام الذي اختاره له ؛ وحكم فيه تلك النواميس التي تظل بها النجوم والكواكب مرفوعة متباعدة ، لا تسقط ولا يصدم بعضها بعضا . .

وكل تفسير فلكي للنظام الكوني ما يزيد على أنه محاولة لتفسير الناموس المنظم للوضع القائم الذي أنشأه خالق هذا النظام . وإن كان بعضهم ينسى هذه الحقيقة الواضحة ، فيخيل إليه أنه حين يفسر النظام الكوني ينفي يد القدرة عن هذا الكون ويستبعد آثارها ! وهذا وهم عجيب وانحراف في التفكير غريب . فإن الاهتداء إلى تفسير القانون - على فرض صحته والنظريات الفلكية ليست سوى فروض مدروسة لتفسير الظواهر الكونية تصح أو لا تصح ، وتثبت اليوم وتبطل غدا بفرض جديد - لا ينفي وجود واضع القانون . وأثره في إعمال هذا القانون . .

والله سبحانه ( يمسك السماء أن تقع على الأرض )بفعل ذلك الناموس الذي يعمل فيها وهو من صنعه . ( إلا بإذنه )وذلك يوم يعطل الناموس الذي يعمله لحكمة ويعطله كذلك لحكمة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (65)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ سَخّرَ لَكُم مّا فِي الأرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رّحِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : ألم تر أن الله سخر لكم أيها الناس ما في الأرض من الدّوابّ والبهائم ، فذلك كله لكم تصرفونه فيما أردتم من حوائجكم . والفُللْكَ تَجْرِي في البَحْرِ بأمْرِهِ يقول : وسخر لكم السفن تجري في البحر بأمره ، يعني بقُدرته ، وتذليله إياها لكم كذلك .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : والفُلْكَ تَجْرِي فقرأته عامة قرّاء الأمصار : والفُلْكَ نصبا ، بمعنى سخر لكم ما في الأرض ، والفلك عطفا على «ما » ، وعلى تكرير «أن » وأن الفلك تجري . ورُوي عن الأعرج أنه قرأ ذلك رفعا على الابتداء . والنصب هو القراءة عندنا في ذلك لإجماع الحجة من القرّاء عليه . ويمْسِكُ السّماءَ أنْ تَقَعَ عَلى الأرْضِ يقول : ويمسك السماء بقَدرته كي لا تقع على الأرض إلا بأذنه . ومعنى قوله : أنْ تَقَعَ : أن لا تقع . إنّ اللّهَ بالنّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ بمعنى : أنه بهم لذو رأفة ورحمة فمن رأفته بهم ورحمته لهم أمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، وسخر لكم ما وصف في هذه الاَية تفضلاً منه عليكم بذلك .