57- يا أيها الناس : قد جاءكم على لسان الرسول محمد كتاب من الله ، فيه تذكير بالإيمان والطاعة وعظة بالترغيب في الخير ، والترهيب من عمل السوء ، وسوْق العبر بأخبار مَن سبقوكم ، وتوجيه نظركم إلى عظمة الخلق لتدركوا عظمة الخالق ، وفيه دواء لأمراض قلوبكم من الشرك والنفاق ، وهداية إلى الطريق المستقيم . وذلك كله رحمة للمؤمنين الذين يستجيبون .
قوله تعالى :{ يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة } ، تذكرة ، { من ربكم وشفاء لما في الصدور } ، أي : دواء للجهل ، لما في الصدور . أي : شفاء لعمى القلوب ، والصدر : موضع القلب ، وهو أعز موضع في الإنسان لجوار القلب ، { وهدىً } ، من الضلالة ، { ورحمة للمؤمنين } ، والرحمة هي النعمة على المحتاج ، فإنه لو أهدى ملك إلى ملك شيئا لا يقال قد رحمه ، وإن كان بذلك نعمة لأنه لم يضعها في محتاج .
{ 57 - 58 ْ } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ْ }
يقول تعالى - مرغبًا للخلق في الإقبال على هذا الكتاب الكريم ، بذكر أوصافه الحسنة الضرورية للعباد فقال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ْ } أي : تعظكم ، وتنذركم عن الأعمال الموجبة لسخط الله ، المقتضية لعقابه وتحذركم عنها ببيان آثارها ومفاسدها .
{ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ْ } وهو هذا القرآن ، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع وأمراض الشبهات ، القادحة في العلم اليقيني ، فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب ، والوعد والوعيد ، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة .
وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير ، والرهبة من الشر ، ونمتا على تكرر ما يرد إليها من معاني القرآن ، أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس ، وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه .
وكذلك ما فيه من البراهين والأدلة التي صرفها الله غاية التصريف ، وبينها أحسن بيان ، مما يزيل الشبه القادحة في الحق ، ويصل به القلب إلى أعلى درجات اليقين .
وإذا صح القلب من مرضه ، ورفل بأثواب العافية ، تبعته الجوارح كلها ، فإنها تصلح بصلاحه ، وتفسد بفساده . { وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ْ } فالهدى هو العلم بالحق والعمل به .
والرحمة هي ما يحصل من الخير والإحسان ، والثواب العاجل والآجل ، لمن اهتدى به ، فالهدى أجل الوسائل ، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب ، ولكن لا يهتدي به ، ولا يكون رحمة إلا في حق المؤمنين .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا النّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مّوْعِظَةٌ مّن رّبّكُمْ وَشِفَآءٌ لّمَا فِي الصّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ } .
يقول تعالى ذكره لخلقه : يا أيّها الناس قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبّكُمْ يعني ذِكْرَى تذكركم عقاب الله وتخوّفكم وعيده من ربكم . يقول : من عند ربكم لم يختلقها محمد صلى الله عليه وسلم ولم يفتعلها أحد ، فتقولوا : لا نأمن أن تكون لا صحة لها . وإنما يعني بذلك جلّ ثناؤه القرآن ، وهو الموعظة من الله . وقوله : وَشِفاءٌ لِمَا فِي الصّدُورِ يقول : ودواء لما في الصدور من الجهل ، يشفي به الله جهل الجهال ، فيبرىء به داءهم ويهدي به من خلقه من أراد هدايته به . وَهُدًى يقول : وهو بيان لحلال الله وحرامه ، ودليل على طاعته ومعصيته . وَرَحْمَةٌ يرحم بها من شاء من خلقه ، فينقذه به من الضلالة إلى الهدى ، وينجيه به من الهلاك والردى . وجعله تبارك وتعالى رحمة للمؤمنين به دون الكافرين به ، لأن من كفر به فهو عليه عمى ، وفي الاَخرة جزاؤه على الكفر به الخلود في لَظَى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.