الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ} (57)

قوله تعالى : { مِّن رَّبِّكُمْ } : يجوز أن تكونَ " مِنْ " لابتداء الغاية فتتعلَّقَ حينئذ ب " جاءَتْكم " ، وابتداءُ الغايةِ مجازٌ ، ويجوز أن تكونَ للتبعيضِ فتتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنها صفة لموعظة أي : موعظةٌ كائنةٌ مِنْ مواعظِ ربكم . وقوله : { مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } من باب ما عُطِف فيه الصفات بعضُها على بعض أي : قد جاءتكم موعظةٌ جامعةٌ لهذه الأشياءِ كلِّها .

و " شِفاء " في الأصلِ مصدرٌ جُعِل وَصْفاً مبالغة ، أو هو اسمٌ لما يُشْفَى به أي : يُداوَى ، فهو كالدواءِ لما يُداوى . و { لِّمَا فِي الصُّدُورِ } يجوزُ أن يكونَ صفةً ل " شفاء " فيتعلَّقَ بمحذوف ، وأن تكونَ اللامُ زائدةً في المفعول ؛ لأن العاملَ فرعٌ إذا قلنا بأنه مصدرٌ . وقوله : " للمؤمنين " محتملٌ لهذين الوجهين وهو من التنازع ؛ لأنَّ كلاً من الهدى والرحمة يَطْلبه .