اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ} (57)

قوله - تعالى - : { يا أيها الناس قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ } الآية .

اعلم : أنَّه - تعالى - لمَّا بيَّن أنَّ الرسول حقٌّ وصدقٌ بظهور المعجزات على يديه ، في قوله : { وَمَا كَانَ هذا القرآن أَن يفترى مِن دُونِ الله } [ يونس : 37 ] إلى قوله { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ يونس : 38 ] وصف القرآن هنا بصفاتٍ أربع :

أولها : كونه موعظة .

وثانيها : كوه شفاءً لما في الصُّدُور .

وثالثها : كونه هُدًى .

ورابعها : كونه رحمة للعالمين .

قوله : " مِّن رَّبِّكُمْ " يجوز أن تكون " مِنْ " لابتداء الغاية ، فتتعلَّق حينئذٍ ب " جَآءَتْكُمْ " ، وابتداءُ الغايةِ مجازٌ ، ويجوز أن تكون للتَّبعيض ، فتتعلق بمحذوف على أنَّها صفةٌ ل " موعظة " أي : موعظةٌ كائنةٌ من مواعظ ربِّكُم .

وقوله : { مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصدور وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } من باب ما عطف فيه الصِّفات بعضها على بعضٍ ، أي : قد جاءتكم موعظةٌ جامعةٌ لهذه الأشياء كلِّها ، و " شِفَاءٌ " في الأصل مصدرٌ جعل وصفاً مبالغة ، أو هو اسمٌ لما يُشْفَى به ، أي : يُداوى ، فهو كالدَّواءِ لما يُدَاوى ، و " لِمَا في الصُّدورِ " يجوز أن يكون صفةً ل " شِفَاء " فيتعلق بمحذوفٍ ، وأن تكون اللامُ زائدةً في المفعول ؛ لأنَّ العامل فرعٌ إذا قلنا بأنَّه مصدرٌ .

وقوله : " لِلْمؤمنينَ " محتملٌ لهذين الوجهين ، وهو من التَّنازُع ؛ لأنَّ كلاًّ من الهُدَى والرحمة يطلبُه .

فصل

أمَّا كون القرآن موعظةً ؛ فلاشتماله على المواعظِ والقصص ، وكونه شفاءً ، أي : دواءً ، لجهل ما في الصُّدورِ ، أي : شفاء لعمى القُلُوب ، والصُّدُور موضعُ القلب ، وهو أعز موضع في الإنسان لجواز القلب ، قال - تعالى - : { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور } [ الحج : 46 ] وكونه هُدًى ، أي : من الضَّلالة ، { وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } ، والرَّحْمَة : هي النعمة على المحتاج ؛ فإنَّه لو أهدى ملكٌ إلى ملك شيئاً ، فإنَّه لا يقال رحمة وإن كان ذلك نعمة ؛ فإنَّه لم يصنعها إلى المحتاج .