تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ} (57)

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) وهو هذا القرآن . قال بعضهم : الموعظة النهي كقوله ( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا )[ النور : 17 ] قيل : نهاكم أن تعودوا لمثله . وقال آخرون : الموعظة هي التي تدعو إلى كل مرغوب وتزجر عن كل مرهوب . وقال بعضهم العظة هي التي تلين كل قلب قاس ، وتجلي كل قاتم[ في الأصل وم : قاس ] مظلم . وفي القرآن جميع ما ذكر ؛ فيه النهي وفيه الدعاء إلى كل مرغوب والزجر عن كل مرهوب وهو يلين القلوب القاسية [ ويدمع العيون اليابسة ][ من م ، ساقطة من الأصل ] ويجلي الصدور المظلمة [ إذا تأملوا فيه ، ونظروا وتفكروا[ في الأصل و ] تفكير المسترشد وطالب الحق . وقيل : الموعظة هي التي [ تلين ][ ساقطة من الأصل ] القلوب القاسية وتدمع العيون اليابسة وتجلي الصدور المظلمة ][ ساقطة من م ] .

وقوله تعالى : ( وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ) إن للدين آفات وأدواء تضر به ، وتتلفه كما لهذه الأبدان آفات وأمراض ، تعمل في إتلافها وإهلاكها . ثم جعلت لآفات الأبدان وأمراضها أدوية ، تشفى بها الأبدان المؤوفة المريضة . فعلى ذلك جعل هذا القرآن لهذا الدين دواء يداوى به ، فيذهب بآفات الدين وأمراضه كما تعمل الأدوية في دفع آفات الأبدان وأمراضها . لذلك سماه موعظة وشفاء لما في الصدور والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ) قيل هدى من الضلالة ورحمة من عذابه أو يقول : ( وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ) ( وهدى ) أي يدعو إلى كل خير ، ويهدي إليه ( ورحمة ) لمن تبعه هو ( ورحمة ) لمن اتبعه ، وتمسك به ، وعمى وضلالا لمن خالفه وترك أتباعه ، وهو ما ذكر ( وهو عليهم عمى )[ فصلت : 44 ] وقال : ( فزادتهم إيمانا )[ التوبة : 124 ] أي زادت المؤمنين إيمانا إلى إيمانهم ، وقال[ في الأصل وم : و ] ( فزادتهم رجسا ) أي زادا الكافرين رجسا ( إلى رجسهم )[ التوبة : 125 ] والله أعلم .