قوله تعالى : { والذين لا يشهدون الزور } قال الضحاك وأكثر المفسرين : يعني الشرك ، وقال علي بن طلحة : يعني شهادة الزور . وكان عمر بن الخطاب : يجلد شاهد الزور أربعين جلدة ، ويسخم وجهه ، ويطوف به في السوق . وقال ابن جريج : يعني الكذب . وقال مجاهد : يعني أعياد المشركين . وقيل : النوح ، قال قتادة : لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم . وقال محمد بن الحنفية : لا يشهدون اللهو والغناء . قال ابن مسعود : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع . وأصل الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته . فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق . { وإذا مروا باللغو مروا كراماً } قال مقاتل : إذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى أعرضوا وصفحوا ، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد ، نظيره قوله : { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه } قال السدي : وهي منسوخة بآية القتال . قال الحسن والكلبي : اللغو : المعاصي كلها ، يعني إذا مروا بمجالس اللهو والباطل مروا كراماً مسرعين معرضين . يقال : تكرم فلان عما يشينه إذا تنزه وأكرم نفسه عنه .
{ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } أي : لا يحضرون الزور أي : القول والفعل المحرم ، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة ، كالخوض في آيات الله والجدال الباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء والغناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير ، والصور ونحو ذلك ، وإذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب أولى وأحرى أن لا يقولوه ويفعلوه .
وشهادة الزور داخلة في قول الزور تدخل في هذه الآية بالأولوية ، { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ } وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم { مَرُّوا كِرَامًا } أي : نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه ورأوا أن الخوض فيه وإن كان لا إثم فيه فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة فربأوا بأنفسهم عنه .
وفي قوله : { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ } إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه ، ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه .
ثم واصلت السورة حديثها عن عباد الرحمن ، فقال - تعالى - : { والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } .
وأصل الزور : تحسين الشىء ووصفه بغير صفته ، ووضعه فى غير موضعه ، مأخوذ من الزَّور بمعنى الميل والانحراف عن الطريق المستقيم إلى غيره .
واللغو : هو مالا خير فيه من الأقوال أو الأفعال .
أى : إن من صفات عباد الرحمن أنهم لا يرتكبون شهادة الزور ، ولا يحضرون المجالس التى توجد فيها هذه الشهادة ، لأنها من أمهات الكبائر التى حاربها الإسلام .
وفضلا عن ذلك فإنهم " إذا مروا باللغو " أى : بالمجالس التى فيها لغو من القول أو الفعل " مروا كراما " أى : أعرضوا عنها إكراما لأنفسهم ، وصونا لكرامتهم ، وحفاظا على دينهم ومروءتهم .
والتعبير بقوله - تعالى - : { وَإِذَا مَرُّواْ . . . } فيه إشعار بأن مرورهم على تلك المجالس كان من باب المصادفة والاتفاق ، لأنهم أكبر من أن يقصدوا حضورها قصدا .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الجاهلين }
ثم استمرت الآيات في وصف عباد الله المؤمنين بأن نفى عنهم شهادة الزور ، و { يشهدون } في هذا الموضع ظاهر معناها يشاهدون ويحضرون ، و { الزور } كل باطل زور وزخرف فأعظمه الشرك وبه فسر الضحاك وابن زيد ، ومنه الغناء ، وبه فسر مجاهد ، ومنه الكذب ، وبه فسر ابن جريج ، وقال علي بن أبي طالب ومحمد بن علي المعنى لا يشهدون بالزور فهو من الشهادة لا من المشاهدة والزور الكذب .
قال الفقيه الإمام القاضي : والشاهد بالزور حاضره ومؤديه جرأة ، فالمعنى الأول أعم لكن المعنى الثاني أغرق في المعاصي وأنكى ، و «اللغو » كل سقط من فعل أو قول يدخل فيه الغناء واللهو وغير ذلك ، ويدخل في ذلك سفه المشركين وأذاهم للمؤمنين وذكر النساء وغير ذلك من المنكر ، و { كراماً } معناه معرضين مستحين يتجافون عن ذلك ويصبرون على الأذى فيه ، وروي أن عبد الله بن مسعود سمع غناء فأسرع في مشيه وذهب فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لقد أصبح ابن أم عبد كريماً ، وقرأ الآية{[8889]} .
قال الفقيه الإمام القاضي : وأما إذا مر المسلم بمنكر فكرمه أن يغير ، وحدود التغيير معروفة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.