فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِٱللَّغۡوِ مَرُّواْ كِرَامٗا} (72)

ثم وصف سبحانه هؤلاء التائبين العاملين للصالحات فقال :

{ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } أي لا يقيمون الشهادة الكاذبة أو لا يحضرون الزور ، وهو الكذب والباطل ، ولا يشاهدونه ، وإلى الثاني ذهب جمهور المفسرين قال الزجاج : الزور في اللغة الكذب ، ولا كذب فوق الشرك بالله ، قال الواحدي : أكثر المفسرين على أن الزور ههنا بمعنى الشرك والحاصل أن { يشهدون } إن كان من الشهادة ففي الكلام مضاف محذوف ، أي لا يشهدون شهادة الزور وإن كان من الشهود والحضور كما ذهب إليه الجمهور فقد اختلفوا في معناه ، فقال قتادة : لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم وقال محمد بن الحنفية : لا يحضرون اللهو والغناء .

وقال ابن جريح : الكذب ، وعن مجاهد أيضا . وقيل ينفرون عن محاضر الكذابين ، ومجالس الخطائين ، فلا يقربونها تنزها عن مخالطة الشر ، وأهله ، وقيل أعياد المشركين ، وقيل النوح ، والأولى عدم التخصيص بنوع دون نوع من أنواع الزور بل المراد الذين لا يحضرون ما يصدق عليه اسم الزور كائنا ما كان ، وعن ابن عباس قال : إن الزور كان صنما بالمدينة يلعبون حوله كل سبعة أيام .

{ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ } على سبيل الاتفاق من غير قصد { مَرُّوا كِرَامًا } أي معرضين عنه ، غير ملتفتين إليه ، مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه ، والخوض فيه . ومن ذلك الإغضاء عن الفواحش ، والصفح عن الذنوب ، والكناية عما يستهجن التصريح به قال ابن عباس : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه آله وسلم إذا مروا به ، يعني الصنم المذكور ، مروا كراما ، لا ينظرون إليه ، كقوله { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه } .

وقال الباقر : إذا ذكروا الفروج كنوا عنها . وقيل الشتم ، والأذى { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ( 73 ) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ( 74 ) أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ( 75 ) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ( 76 ) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ( 77 ) }

واللغو ، كل ساقط ، من قول أو فعل . قال الحسن : اللغو المعاصي كلها ، وقيل المراد مروا بذوي اللغو ، يقال فلان يكرم عما يشينه ، أي بتنزه ، ويكرم نفسه ، عن الدخول في اللغو ، والاختلاط بأهله .