محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِٱللَّغۡوِ مَرُّواْ كِرَامٗا} (72)

{ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } أي لا يحضرون الباطل . يقال ( شهد كذا ) أي حضره . ف { الزور } مفعول به بتقدير مضاف أي محالة . و { يشهدون } من الشهادة . فالزور منصوب على المصدر أو بنزع الخافض أي شهادة الزور أو بالزور . وقد أشار الزمخشري للوجهين بقوله : يحتمل أنهم ينفرون عن محاضر الكذابين ومجالس الخطائين ، فلا يحضرونها ولا يقربونها . تنزها عن مخالطة الشر وأهله وصيانة لدينهم عما يثلمه . لأن مشاهدة الباطل شركة فيه . ولذلك قيل في النظارة إلى كل ما لم تسوغه الشريعة ( هم شركاء فاعليه في الإثم ) لأن حضورهم ونظرهم دليل الرضا به ، وسبب وجوده ، والزيادة فيه لأن الذي سلط على فعله هو استحسان النظارة ، ورغبتهم في النظر إليه . ويحتمل أنهم لا يشهدون شهادة الزور انتهى وهي الكذب متعمدا على غيره .

قال المبرد في ( الكامل ) : ويروى عن ابن عباس في هذه الآية { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قال : ( أعياد المشركين ) . وقال ابن مسعود : الزور الغناء . فقيل لابن عباس : أو ما هذا في الشهادة بالزور ؟ فقال : لا ، إنما آية شهادة الزور {[5917]} : { ولا تقف ما ليس لك به علم ، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } أي اتفق مرورهم بأهل اللغو ، وهو كل ما ينبغي أن يلغى ويطرح ، مروا معرضين عنهم ، مكرمين أنفسهم عن الخوض معهم كقوله تعالى {[5918]} : { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين } ويدخل في ذلك الإغضاء عن الفواحش ، والصفح عن الذنوب ، والكناية عما يستهجن التصريح به وذلك لأن { كراما } جمع كريم بمعنى مكرم لنفسه وغيره بالصفح ونحوه .


[5917]:(17 الإسراء 36).
[5918]:(28 القصص 55).