مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِٱللَّغۡوِ مَرُّواْ كِرَامٗا} (72)

قوله تعالى : { والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما } .

الصفة السابعة : فيه مسائل :

المسألة الأولى : الزور يحتمل إقامة الشهادة الباطلة ، ويكون المعنى أنهم لا يشهدون شهادة الزور فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ويحتمل حضور مواضع الكذب كقوله تعالى : { فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره } ويحتمل حضور كل موضع يجري فيه ما لا ينبغي ويدخل فيه أعياد المشركين ومجامع الفساق ، لأن من خالط أهل الشر ونظر إلى أفعالهم وحضر مجامعهم فقد شاركهم في تلك المعصية ، لأن الحضور والنظر دليل الرضا به ، بل هو سبب لوجوده والزيادة فيه ، لأن الذي حملهم على فعله استحسان النظارة ورغبتهم في النظر إليه ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما المراد مجالس الزور التي يقولون فيها الزور على الله تعالى وعلى رسوله ، وقال محمد ابن الحنفية الزور الغناء ، واعلم أن كل هذه الوجوه محتملة ولكن استعماله في الكذب أكثر .

المسألة الثانية : الأصح أن اللغو كل ما يجب أن يلغى ويترك ، ومنهم من فسر اللغو بكل ما ليس بطاعة ، وهو ضعيف لأن المباحات لا تعد لغوا فقوله : { وإذا مروا باللغو } أي بأهل اللغو .

المسألة الثالثة : لا شبهة في أن قوله : { مروا كراما } معناه أنهم يكرمون أنفسهم عن مثل حال اللغو وإكرامهم لها لا يكون إلا بالإعراض وبالإنكار وبترك المعاونة والمساعدة ، ويدخل فيه الشرك واللغو في القرآن وشتم الرسول ، والخوض فيما لا ينبغي . وأصل الكلمة من قولهم ناقة كريمة إذا كانت تعرض عند الحلب تكرما ، كأنها لا تبالي بما يحلب منها للغزارة ، فاستعير ذلك للصفح عن الذنب ، وقال الليث يقال تكرم فلان عما يشينه إذا تنزه وأكرم نفسه عنه{[14]} ونظير هذه الآية قوله : { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين } وعن الحسن لم تسفههم المعاصي وقيل إذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى أعرضوا ، وقيل إذا ذكر النكاح كنوا عنه .


[14]:في الأصل عنها، ولعل الصواب ما أثبته لأن الضمير راجع إلى (ما يشينه) وهو واقع على مذكر.