ثم كرر الحث [ لهم ] على الاقتداء بهم ، فقال : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } وليس كل أحد تسهل عليه هذه الأسوة ، وإنما تسهل على من { كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ } فإن الإيمان واحتساب الأجر والثواب ، يسهل على العبد كل عسير ، ويقلل لديه كل كثير ، ويوجب له الإكثار من الاقتداء بعباد الله الصالحين ، والأنبياء والمرسلين ، فإنه يرى نفسه مفتقرا ومضطرا إلى ذلك غاية الاضطرار .
{ وَمَنْ يَتَوَلَّ } عن طاعة الله والتأسي برسل الله ، فلن يضر إلا نفسه ، ولا يضر الله شيئا ، { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ } الذي له الغنى التام [ المطلق ] من جميع الوجوه ، فلا يحتاج إلى أحد من خلقه [ بوجه ] ، { الْحَمِيدُ } في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فإنه محمود على ذلك كله .
وقوله - سبحانه - : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر } تأكيد لقوله - تعالى - قبل ذلك : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ } والغرض من هذا التأكيد ، تحريض المؤمنين على التأسى بالسابقين فى قوة إيمانهم وشدة إخلاصهم .
أى : لقد كان لكم - أيها المؤمنون - أسوة حسنة ، وقدوة طيبة ، فى أبيكم إبراهيم - عليه السلام - وفيمن آمن به ، وهذه القدوة إنما ينتفع بها من كان يرجو لقاء الله - تعالى - ورضاه ، ومن كان يرجو ثوابه وجزاءه الطيب .
وجىء بلام القسم فى قوله : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ . . . } على سبيل المبالغة فى التأكيد بوجوب التأسى بإبراهيم ، وبمن آمن معه .
وجملة : { لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر } بدل من قوله { لَكُمْ } بدل اشتمال .
وفائدة هذا البدل : الإيذان بأن من يؤمن بالله واليوم الآخر ، لا يترك الاقتداء بإبراهيم - عليه السلام - وبمن آمن معه ، وأن ترك ذلك من علامات عدم الإيمان الحق .
كما ينبىء عنه التحذير فى قوله - تعالى - بعد ذلك : { وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الغني الحميد }أي : ومن يعرض عن هذا التأسى ، فوبال إعراضه عليه وحده ، فإن الله - تعالى - هو الغنى عن جميع خلقه ، الحميد لمن يمتثل أمره .
والمتدبر فى هذه الآيات الكريمة ، من أول السورة إلى هنا ، يجد أن الله - تعالى - لم يترك وسيلة للتنفير من موالاة أعدائه ، إلا أظهرها وكشف عنها .
{ لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة } تكرير لمزيد الحث على التأسي بإبراهيم ولذلك صدر بالقسم وأبدل قوله :{ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر }من لكم فإنه يدل على أنه لا ينبغي لمؤمن أن يترك التأسي بهم ، وإن تركه مؤذن بسوء العقيدة ولذلك عقبه بقوله :{ ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد } فإنه جدير بأن يوعد به الكفرة .
وقوله تعالى : { لقد كان لكم } الآية خطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وقوله : { لمن } بدل من قوله { لكم } وكرر حرف الجر ليتحقق البدل وذلك عرف هذه المبدلات ، ومنه قوله تعالى { للفقراء المهاجرين }{[11048]} [ الحشر : 8 ] وهو في القرآن كثير وأكثر ما يلزم من الحروف في اللام ، ثم أعلم تعالى باستغنائه عن العباد وأنه { الحميد } في ذاته وأفعاله لا ينقص ذلك كفر كافر ولا نفاق منافق . وروي أن هذه الآيات لما نزلت وأزمع المؤمنون امتثال أمرها وصرم حبال الكفرة وإظهار عداوتهم لحقهم تأسف على قراباتهم وهم من أن لم يؤمنوا ولم يهتدوا حتى يكون بينهم الود والتواصل فنزلت : { عسى الله } الآية مؤنسة في ذلك ومرجية أن يقع موقع ذلك بإسلامهم في الفتح وصار الجميع إخواناً ، ومن ذكر أن هذه المودة تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وأنها كانت بعد الفتح ، فقد أخطأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وقت هجرة الحبشة ، وهذه الآيات نزلت سنة ست من الهجرة ، ولا يصح ذلك عن ابن عباس إلا أن يسوقه مثالاً وإن كان متقدماً لهذه الآية ، لأنه استمر بعد الفتح كسائر ما نشأ من المودات ، و { عسى } من الله واجبة الوقوع إن شاء الله تعالى .
تكرير قوله آنفاً { قد كانت لكم إسوة حسنة في إبراهيم } [ الممتحنة : 4 ] الخ ، أعيد لتأكيد التحريض والحث على عدم إضاعة الائتساء بهم ، وليبنى عليه قوله لمن كان يرجو الله واليوم الآخر الخ .
وقُرن هذا التأكيد بلام القسم مبالغة في التأكيد . وإنما لم تتصل بفعل { كان } تاء تأنيث مع أن اسمها مؤنث اللفظ لأن تأنيث أسوة غير حقيقي ، ولوقوع الفصل بين الفعل ومرفوعه بالجار والمجرور .
والإِسوة هي التي تقدم ذكرها واختلاف القرّاء في همزتها في قوله : { قد كانت لكم إسوة حسنة } .
وقوله : { لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } بدل من ضمير الخطاب في قوله : { لكم } وهو شامل لجميع المخاطبين ، لأن المخاطبين بضمير { لكم } المؤمنون في قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } [ الممتحنة : 1 ] فليس ذكر { لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } تخصيصاً لبعض المؤمنين ولكنه ذكر للتذكير بأن الإِيمان بالله واليوم الآخر يقتضي تأسيَهم بالمؤمنين السابقين وهم إبراهيم والذين معه .
وأعيد حرف الجر العامل في المبدل منه لتأكيد أن الإِيمان يستلزم ذلك .
والقصد هو زيادة الحث على الائتساء بإبراهيم ومن معه ، وليرتب عليه قوله : { ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد } ، وهذا تحذير من العود لما نُهوا عنه .
ففعل { يتول } مضارع تولّى ، فيجوز أن يكون ماضيه بمعنى الإِعراض ، أي من لا يرجو الله واليوم الآخر ويعرض عن نهي الله فإن الله غنيّ عن امتثاله . ويجوز عندي أن يكون ماضيه من التولي بمعنى اتخاذ الوَلي ، أي من يتخذ عدو الله أولياء فإن الله غنيّ عن ولايته كما في قوله تعالى : { ومن يتولّهم منكم فإنه منهم } في سورة [ العقود : 51 ] .
وضمير الفصل في قوله : { هو الغني } توكيد للحصر الذي أفاده تعريف الجزأين ، وهو حصر ادعائي لعدم الاعتداد بغنى غيره ولا بحمده ، أي هو الغني عن المتولين لأن النهي عما نهوا عنه إنما هو لفائدتهم لا يفيد الله شيئاً فهو الغني عن كل شيء .
وإتْباع { الغني } بوصف { الحميد } تتميم ، أي الحميد لمن يمتثل أمره ولا يعرض عنه أو { الحميد } لمن لا يتخذ عدوه ولياً على نحو قوله تعالى : { إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم } [ الزمر : 7 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
وقوله: {قد كان لكم فيهم} يعني في إبراهيم والذين معه، {أسوة حسنة} في الاقتداء بهم، {لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر} يقول لمن كان يخشى الله، ويخشى البعث الذي فيه جزاء الأعمال.
{ومن يتول} يقول ومن يعرض عن الحق، {فإن الله هو الغني} عن عباده {الحميد} في سلطانه عنه خلقه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} يقول تعالى ذكره لقد كان لكم أيها المؤمنون قدوة حسنة في الذين ذكرهم إبراهيم والذين معه من الأنبياء صلوات الله عليهم والرسل، {لِمَنْ كانَ يَرْجُو اللّهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ} يقول: لمن كان منكم يرجو لقاء الله، وثواب الله، والنجاة في اليوم الاَخر.
وقوله: {وَمَنْ يَتَوَلّ فإنّ اللّهَ هُوَ الغَنِيّ الْحَمِيدُ} يقول تعالى ذكره: ومن يتول عما أمره الله به وندبه إليه منكم ومن غيركم، فأعرض عنه وأدبر مستكبرا، ووالى أعداء الله، وألقى أليهم بالمودّة، فإن الله هو الغنيّ عن إيمانه به، وطاعته إياه، وعن جميع خلقه، الحميد عند أهل المعرفة بأياديه، وآلائه عندهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر} أي لمن يؤمن بالبعث، وذلك أن الله تعالى وصف أمر البعث في كتابه بصفات مختلفة: مرة أضافه إلى نفسه بقوله: {فمن كان يرجوا لقاء ربه} [الكهف: 110] وكان المعنى منه البعث، ومرة وصفه بصفة أخرى وإن كان المراد الثواب، ففيه أن الراجي في الحقيقة، هو الطالب لما يرجوه بالأسباب التي يرجو الوصول بها إلى ما دعي، وأرجي. والخائف في الحقيقة، هو الهارب عما حذر، والمنتهى عما نهي عنه، وحظر. فإن من اعتمد على مجرد الرجاء والخوف دون التمسك بسببها فهو متمنّ على الله تعالى: والدليل على تأييد ما نقول قوله عز وجل: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله} [البقرة: 218] أفلا تراه كيف حقق معنى الرجاء بالمجاهدة في سبيل الله والعمل بطاعته، والله اعلم. وإن كان [معتمدا] على البعث فكذلك أيضا لأنه إذا هرب عما نهي عنه، وطلب لما أمر به، فقد تبين أن يوالي من يقضي موالاته إلى ثواب الله ورحمته وأنه يعادي من يقضي عاقبة موالاته إلى نقمة الله وعذابه. وقوله تعالى: {ومن يتول} يعني من يتول عن طاعة الله في ما أمره من الاقتداء بهم {فإن الله هو الغني الحميد} يعني {الغني} عن طاعة الخلق ليعلم أنه ما أمرهم به لم يأمرهم لحاجة له في طاعتهم أو لمنفعة ترجع إليه، بل هو {الغني} عن كل ذلك. وإنما أمرهم لحاجتهم إلى ذلك ولما علم أن منافع طاعتهم ترجع إليهم خاصة. وقوله تعالى: {الحميد} له معنيان... معنى الحامد ومعنى المحمود. فإن كان المراد منه المحمود ففيه أن الله تعالى يستحق الحمد من خلقه بما أنعم عليهم. وإن كان المراد الحامد فمعناه أن الله يحمد الخلق، ويشكرهم حين يجزيهم بالكثير من الثواب عن القليل من الأعمال، أو يثني عليهم بأعمالهم، فهو حميد من هذين المعنيين.
{لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة} أي في إبراهيم والذين معه، وهذا هو الحث عن الائتساء بإبراهيم وقومه، قال ابن عباس: كانوا يبغضون من خالف الله ويحبون من أحب الله {ومن يتول} أي يعرض عن الائتساء بهم ويميل إلى مودة الكفار {فإن الله هو الغنى} عن مخالفة أعدائه
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{لقد كان لكم} أي أيها الذين ادعوا الإيمان، وقدم الظرف بياناً للاهتمام به فقال: {فيهم} أي إبراهيم عليه السلام ومن معه {أسوة حسنة} وأبدل من {لكم} ما هو الفيصل في الدلالة على الباطل، فقال مشيراً إلى أن من لم يتأس بهم في هذا لم يكن راجياً لما ذكر: {لمن كان} أي جبل على أنه {يرجوا الله} أي الملك المحيط بجميع صفات الكمال فهو ذو الجلال الذي يجير ولا يجار عليه، والإكرام الذي هو جدير بأن يعطى جميع ما يسأله {واليوم الآخر} الذي يحاسب على، النقير والقطمير، ولا تخفى عليه خافية، فمن لم يتأس بهم كان تركه للتأسي دليلاً على سوء عقيدته، فلا يلومن إلا نفسه...
{ومن يتول} أي يوقع الإعراض عن أوامر الله تعالى في وقت من الأوقات مطلقاً لكونه أخلد إلى الدنيا ولم ير اليوم الآخرة أعرض الله عنه، وأشار بصيغة التفعل إلى أن ذلك لا يقع إلا بمعالجة الفطرة الأولى، وأكد لأن فاعل ذلك كالمنكر لمضمون الكلام فقال: {فإن الله} أي الذي له الإحاطة الكاملة {هو} أي خاصة {الغني} أي عن كل شيء {الحميد} أي الذي له الحمد المحيط لإحاطته بأوصاف الكمال في حال الطاعة له والمعصية فإن العاصي عبد لإرادته، كما أن المطيع عبد لآمره وإرادته ولطفه، فلا يخرج شيء عن مراده، وكل شيء خاضع لحكمه، وقد بينت الآية أدب العشرة لما ألهبت وهيجت على المفارقة للعصاة والتبرء منهم حساً ومعنى، وإظهار ذلك لهم قولاً وفعلاً، إلى أن تحصل التوبة، ومن لم يفعل ذلك كان شريكاً في الفعل فيكون شريكاً في الجزاء...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فالأسوة في إبراهيم والذين معه متحققة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر. وهؤلاء هم الذين يدركون قيمة التجربة التي عاناها هذا الرهط الكريم، ويجدون فيها أسوة تتبع، وسابقة تهدي. فمن كان يرجو الله واليوم الآخر فليتخذ منها أسوة.. وهو تلميح موح للحاضرين من المؤمنين. فأما من يريد أن يتولى عن هذا المنهج. من يريد أن يحيد عن طريق القافلة. من يريد أن ينسلخ من هذا النسب العريق. فما بالله من حاجة إليه -سبحانه- (فإن الله هو الغني الحميد)..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تكرير قوله آنفاً {قد كانت لكم إسوة حسنة في إبراهيم} [الممتحنة: 4] الخ، أعيد لتأكيد التحريض والحث على عدم إضاعة الائتساء بهم، وليبني عليه قوله لمن كان يرجو الله واليوم الآخر الخ. وقُرن هذا التأكيد بلام القسم مبالغة في التأكيد...
{لكم} وهو شامل لجميع المخاطبين، لأن المخاطبين بضمير {لكم} المؤمنون في قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} [الممتحنة: 1] فليس ذكر {لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} تخصيصاً لبعض المؤمنين ولكنه ذكر للتذكير بأن الإِيمان بالله واليوم الآخر يقتضي تأسيَهم بالمؤمنين السابقين وهم إبراهيم والذين معه. وأعيد حرف الجر العامل في المبدل منه لتأكيد أن الإِيمان يستلزم ذلك.والقصد هو زيادة الحث على الائتساء بإبراهيم ومن معه، وليرتب عليه قوله: {ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد}، وهذا تحذير من العود لما نُهوا عنه. وإتْباع {الغني} بوصف {الحميد} تتميم، أي الحميد لمن يمتثل أمره ولا يعرض عنه أو {الحميد} لمن لا يتخذ عدوه ولياً على نحو قوله تعالى: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم} [الزمر: 7].
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
لقد كانوا لنا أسوة، ليس فقط في موقفهم ضدّ منهج الكفر وعبدة الأوثان، بل هم أسوة لنا في الدعاء بين يدي البارئ عزّ وجلّ، وقدوة لنا في طلب المغفرة منه كما استعرضت الآيات السابقة نماذج في ذلك. إنّ هذا الاقتداء في حقيقته يتمثّل في الذين تعلّقوا بالله سبحانه، ونوّر الإيمان بالمبدأ والمعاد قلوبهم، ونهجوا منهج الحقّ وتحرّكوا في طريقه.. وبدون شكّ فإنّ هذا التأسّي والاقتداء يرجع نفعه إلى المسلمين أنفسهم قبل الآخرين، لذا يضيف سبحانه في النهاية قوله: (ومن يتولّ فإنّ الله هو الغني الحميد). وذلك أنّ عقد الولاء مع أعداء الله يقوّي عودهم وشوكتهم وبالتالي إلى هزيمة المسلمين، وإذا تسلّطوا عليكم فسوف لن يرحموا صغيركم وكبيركم. الله غني عن الجميع: أكّد القرآن الكريم مراراً على نقطة مهمّة، وهي أنّ الله تعالى إذا أمر الإنسان بالالتزام بأحكام ـ وتكاليف معيّنة، فإنّ جميع منافعها تعود بالخير والمصلحة عليه، بالرغم من المشقّة أحياناً في تطبيق هذه الأحكام والتكاليف. ذلك لأنّ الله تعالى ليس محتاجاً لأي شيء في عالم الوجود ليستعين بنا عليه، كما أنّه ليس لديه أي نقص في أي شيء، إضافة إلى أنّ الإنسان لا يملك شيئاً ليعطيه. بل كلّ ما لديه فهو لله تعالى...
الأصل في العلاقات الرسالية: الحبّ في الله والبغض في الله؛ إنّ أعمق رابطة تربط أبناء البشرية مع بعضهم هي الرابطة العقائدية، حيث تبتني عليها سائر العلاقات الأخرى. ولقد أكّد القرآن الكريم مراراً على هذا المعنى وهذا اللون من الارتباطات، وشجب صور الروابط القائمة على أساس الصداقة والحميّة الجاهلية والمنافع الشخصية التي تكون على حساب مرتكزات المبدأ، إذ أنّ ذلك يعني الاهتزاز والتصدّع في بناء الشخصية الرسالية.. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ المعيار الأساس للإنسان هو الإيمان والتقوى، ولذا فإنّ إقامة العلاقات مع الأشخاص الذين يفقدون هذه المقوّمات أمر لا يقدم عليه الإنسان الملتزم ويحذّر من الوقوع في شراكه، ولابدّ من الرجوع إلى المعيار الإيماني في إقامة العلاقات وفق منهج الإسلام، وجعل العلاقة مع الله والموقف من الله هو الحكم والفصل في طبيعة هذه العلاقة.