قوله تعالى : { قالوا } ، يعني : إخوة يوسف ، { تالله } أي : والله ، وخصت هذه الكلمة بأن أبدلت الواو فيها بالتاء في اليمين دون سائر أسماء الله تعالى . { لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض } ، لنسرق في أرض مصر . فإن قيل : كيف قالوا لقد علمتم ؟ ومن أين علموا ذلك ؟ . قيل : قالوا لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض ، فإنا منذ قطعنا هذا الطريق لم نرزأ أحدا شيئا فاسألوا عنا من مررنا به ، وهل ضررنا أحدا ؟ وقيل : لأنهم ردوا البضاعة التي جعلت في رحالهم ، قالوا : فلو كنا سارقين ما رددناها . وقيل : قالوا ذلك لأنهم كانوا معروفين بأنهم لا يتناولون ما ليس لهم ، وكانوا إذا دخلوا مصر كمموا أفواه دوابهم لكيلا تتناول شيئا من حروث الناس { وما كنا سارقين } .
{ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ } بجميع أنواع المعاصي ، { وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } فإن السرقة من أكبر أنواع الفساد في الأرض ، وإنما أقسموا على علمهم أنهم ليسوا مفسدين ولا سارقين ، لأنهم عرفوا أنهم سبروا من أحوالهم ما يدلهم على عفتهم وورعهم ، وأن هذا الأمر لا يقع منهم بعلم من اتهموهم ، وهذا أبلغ في نفي التهمة ، من أن لو قالوا : تالله لم نفسد في الأرض ولم نسرق .
وهنا نجد إخوة يوسف يردون علهيم رداً يدل على استنكارهم لهذه التهمة وعلى تأكدهم من براءتهم فيقولون : { قَالُواْ تالله لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرض وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } .
أى : قال إخوة يوسف للمنادي ومن معه الذين اتهموهم بالسرقة : تالله يا قوم ، لقد علمتم من حالنا وسلوكنا وأخلاقنا ، أننا ما جئنا إلى بلادكم ، لكى نفسد فيها أو نرتكب ما لا يليق ، وما كنا في يوم من الأيام ونحن في أرضكم لنرتكب هذه الجريمة ، لأنها تضرنا ولا تنفعنا ، حيث إننا في حاجة إلى التردد على بلادكم لجلب الطعام ، والسرقة تحول بيننا وبين ذلك ، لأنكم بسببها ستمنعوننا من دخول أرضكم ، وهذه خسارة عظيمة بالنسبة لنا .
{ قالوا تالله } قسم فيه معنى التعجب ، التاء بدل من الباء مختصة باسم الله تعالى : { لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين } استشهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما عرفوا منهم في كرتي مجيئهم ومداخلتهم للملك مما يدل على فرط أمانتهم كرد البضاعة التي جعلت في رحالهم وكعم الدواب لئلا تتناول زرعا أو طعاما لأحد .
وقوله : { قالوا : تالله } الآية ، روي : أن إخوة يوسف كانوا ردوا البضاعة الموجودة في الرحال وتحرجوا من أخذ الطعام بلا ثمن فلذلك قالوا : { لقد علمتم } أي لقد علمتم منا التحري ؛ وروي أنهم كانوا قد اشتهروا في مصر بصلاح وتعفف ، وكانوا يجعلون الأكمة{[6754]} في أفواه إبلهم لئلا تنال زرع الناس ، فلذلك قالوا : لقد علمتم ما جئنا لفساد وما نحن أهل سرقة .
والتاء في { تالله } بدل من واو - كما أبدلت في تراث وفي التورية وفي التخمة{[6755]} - ولا تدخل التاء في القسم إلا في المكتوبة من بين أسماء الله تعالى ، لا في غير ذلك - لا تقول : تالرحمن ولا تالرحيم -{[6756]} .
والتاء في { تاللَّه } حرف قَسم على المختار ، ويختص بالدخول على اسم الله تعالى وعلى لفظ رَب ، ويختص أيضاً بالمُقسم عليه العجيب . وسيجيء عند قوله تعالى : { وتالله لأكيدن أصنامكم } في [ سورة الأنبياء : 57 ] .
وقولهم : { لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين } . أكدوا ذلك بالقسم لأنهم كانوا وَفدوا على مصر مرة سابقة واتهموا بالجوسسة فتبينت براءتهم بما صدقوا يوسف عليه السلام فيما وصفوه من حال أبيهم وأخيهم . فالمراد ب { الأرض } المعهودة ، وهي مصر .
وأما براءتهم من السرقة فبما أخبروا به عند قدومهم من وجدان بضاعتهم في رحالهم ، ولعلّها وقعت في رحالهم غلطاً .
على أنهم نفوا عن أنفسهم الاتّصاف بالسرقة بأبلغ مما نفوا به الإفساد عنهم ، وذلك بنفي الكون سارقين دون أن يقولوا : وما جئنا لنسرق ، لأن السرقة وصف يُتعيّر به ، وأما الإفساد الذي نفوه ، أي التجسس فهو مما يقصده العدوّ على عَدوّه فلا يكون عاراً ، ولكنه اعتداء في نظر العدوّ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.